تتحدد طبيعة المجتمعات من خلال مواقفها من الذات والآخر بكافة أشكاله،هذا ما يبلور الهوية القوية على مدار تاريخها،ولإيران سماتها الخاصة والمغايرة في تناولها للقضايا المفصلية في تطوراتها المجتمعية وفهمنا لآلية التناول تلك يساعدنا على فض العديد من الإشكاليات التي قد تبدوا متباينة.
فـ(جمهوري إسلامي إيران) بالفارسية، ترجمتها " جمهورية إيران الإسلامية" ،فالقومية الإيرانية مُقدمة على الهوية الدينية، حتى وإن بدا العكس ،فأصل التركيب في اللغة الفارسية (جمهوري إيران) مضاف ومضاف إليه،و(إسلامي) صفة للتركيب الإضافي وحسب قواعد اللغة الفارسية تأتي الصفة في منتصف التركيب.فرغم كل الادعاء الإيراني أنها الناطقة بإسم الإسلام في العالم ،إلا أن الطابع القومي هو المؤسس لبنية الذات الإيرانية،وهذا يتضح من مجرد ذكر إسم الدولة.
فالذاتية متأصلة في الوعي الاجتماعي والتاريخي الإيراني ،تلك السمة الآرية التي أسست للعمق الحضاري الممتد منذ حوالي الألف الرابع قبل الميلاد،وتشكيل الإمبراطورية الفارسية ـ في فترة الحكم الساساني ـ التي شملت معظم أجزاء العالم القديم .ذلك الطابع التوسعي هو المؤسس للذات الإيرانية المتضخمة، ورغبتها الدائمة في نفي الآخر تحت مظلتها،حتى لو كان هذا الآخر هو الإسلام ذاته .
تتجلى تلك السمات القومية في مشاهد واضحة في السياق الإيراني.فالتعامل الإيراني مع الدخول العربي جرد تلك المرحلة من محتواها،وفصل الإسلام كدين عن التناول الإيراني للعرب كمحتلين برابرة هدموا الحضارة الفارسية،وظلت الأدبيات التاريخية الفارسية تحتفظ بلفظة (اعراب) ـ الدالة على البدوية والهمجية ـ لدى وصف تلك المرحلة الهامة من التحول التاريخي.وحاولت إيران جاهدة الاستقلال عن الحكم العربي وتأسيس حكومة مستقلة،وإن لم تستطع سعت إلى السيطرة على الحكومات العربية على تتابعها، فاحتوت كل الحركات المعارضة مثل الحركة العلوية وكل ما تلاها من تأسيس مذهبي شيعي، كما ساعدت الدعوة العباسية لهدم الخلافة الأموية وكان مركز الدعوة في (خراسان) وبفضل (أبو مسلم الخراساني) حَكم العباسيون (132هـ).وفي ظل الحكم العباسي سيطرت النزعة الإيرانية وملامح الحضارة الفارسية القديمة على نظم الإدراة العربية،بل وصل النفوذ الإيراني منتهاه في ظل (هارون الرشيد) والبرامكة الفُرس ، ثم مناصرتهم للمأمون ومقتل الأمين.حتى تمكنت إيران بعد هذه الفترة من إعادة إحياء القومية الفارسية على شكل دويلات مستقلة عن الحكومة العربية،حتى انهيار الخلافة العباسية (656هـ) على يد المغول،وانتقالها على المستوى الرمزي فقط إلى مصر في عهد المماليك.
القومية الإيرانية هي التي ساعدت على بقاء اللغة الفارسية اللغة الرسمية لإيران حتى الأن،رغم التحولات اللغوية التي طرأت على الخط الفارسي من الخط القديم (المسمى بالبهلوية) إلى الكتابة بالخط العربي،متزامن ذلك مع مساهمات ليست بالهينة في الثقافة الإسلامية (كالبخاري والطبري وسيبويه وابن المقفع وغيرهم من ذوي الأصول الفارسية)،حتى أن أعظم الملاحم الإيرانية (الشاهنامه) للشاعر (الفردوسي) التي تناولت الهوية الفارسية الأصيلة كُتبت باللغة الفارسية في العهد العربي وفي ظل الحكم التركي لإيران، وما ورد في الشاهنامه لا يشكل مجرد مرحلة أسطورية قديمة في الوعي الإيراني بل هو متأصل في الذهنية الإيرانية بوصفه تاريخ حقيقي حدث بالفعل،تاريخ ليس له أي سند تاريخي ،يحتوي كل الملامح الفولكلورية للملاحم الإنسانية،ولكنه مُكوِّن أصيل للذات القومية الإيرانية.
وفي العصر الحديث حاولت الدولة البهلوية (رضا شاه بهلوي ومحمد رضا شاه) العمل على تذكية الروح الإيرانية في مقابل محو الطابع الديني عن الدولة في ظل الحلم الكمالي التركي لتأسيس دولة علمانية، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل أمام سطوة الحوزات الدينية،التي أوقفت المد العلماني ليس خشية على الدين أكثر منه خوفاً على تواجدها في المجتمع،وتتطورت الأحداث وصولاً للثورة الإيرانية الإسلامية الشيعية التي نسجت كل خيوط اللعبة ضد الآخر.ذلك الآخر العربي في البداية ثم الغربي (الأمريكي مثلاً)،وظل الحلم الإمبراطوري يسيطر على كل تحركات المد الثوري في البلدان العربية تحقيقاً للذات الإيرانية متبعة أساليب التحايل أحياناً والصدام أحياناً أخرى.وإلى الأن ـ وفي ظل حكومة إسلامية ـ ما زالت إيران تحتفظ بمعابد الزرادشتية ليست مجرد رمز بل كدين قائم،بل أن هناك ممثلين للأقلية الزردشتية في البرلمان الإيراني،حفاظاً على القومية الإيرانية أمام الهوية الأمريكية المكتسحة للعالم،والتواجد العربي بأشكاله المختلفة في محيطها الإستراتيجي.
فمن المستحيل ادراك طبيعة الشخصية الإيرانية في كل أبعادها ،اعتماداً فقط على الجانب الديني أو المذهبي،أو حتى السياسي منفرداً،بل لابد من متابعة التحولات التي مربها المجتمع الإيراني، وصولاً للشكل القائم الآن،في محاولة لفهم الواقع الإيراني كما هو، لا كما نريد أن نراه.
فـ(جمهوري إسلامي إيران) بالفارسية، ترجمتها " جمهورية إيران الإسلامية" ،فالقومية الإيرانية مُقدمة على الهوية الدينية، حتى وإن بدا العكس ،فأصل التركيب في اللغة الفارسية (جمهوري إيران) مضاف ومضاف إليه،و(إسلامي) صفة للتركيب الإضافي وحسب قواعد اللغة الفارسية تأتي الصفة في منتصف التركيب.فرغم كل الادعاء الإيراني أنها الناطقة بإسم الإسلام في العالم ،إلا أن الطابع القومي هو المؤسس لبنية الذات الإيرانية،وهذا يتضح من مجرد ذكر إسم الدولة.
فالذاتية متأصلة في الوعي الاجتماعي والتاريخي الإيراني ،تلك السمة الآرية التي أسست للعمق الحضاري الممتد منذ حوالي الألف الرابع قبل الميلاد،وتشكيل الإمبراطورية الفارسية ـ في فترة الحكم الساساني ـ التي شملت معظم أجزاء العالم القديم .ذلك الطابع التوسعي هو المؤسس للذات الإيرانية المتضخمة، ورغبتها الدائمة في نفي الآخر تحت مظلتها،حتى لو كان هذا الآخر هو الإسلام ذاته .
تتجلى تلك السمات القومية في مشاهد واضحة في السياق الإيراني.فالتعامل الإيراني مع الدخول العربي جرد تلك المرحلة من محتواها،وفصل الإسلام كدين عن التناول الإيراني للعرب كمحتلين برابرة هدموا الحضارة الفارسية،وظلت الأدبيات التاريخية الفارسية تحتفظ بلفظة (اعراب) ـ الدالة على البدوية والهمجية ـ لدى وصف تلك المرحلة الهامة من التحول التاريخي.وحاولت إيران جاهدة الاستقلال عن الحكم العربي وتأسيس حكومة مستقلة،وإن لم تستطع سعت إلى السيطرة على الحكومات العربية على تتابعها، فاحتوت كل الحركات المعارضة مثل الحركة العلوية وكل ما تلاها من تأسيس مذهبي شيعي، كما ساعدت الدعوة العباسية لهدم الخلافة الأموية وكان مركز الدعوة في (خراسان) وبفضل (أبو مسلم الخراساني) حَكم العباسيون (132هـ).وفي ظل الحكم العباسي سيطرت النزعة الإيرانية وملامح الحضارة الفارسية القديمة على نظم الإدراة العربية،بل وصل النفوذ الإيراني منتهاه في ظل (هارون الرشيد) والبرامكة الفُرس ، ثم مناصرتهم للمأمون ومقتل الأمين.حتى تمكنت إيران بعد هذه الفترة من إعادة إحياء القومية الفارسية على شكل دويلات مستقلة عن الحكومة العربية،حتى انهيار الخلافة العباسية (656هـ) على يد المغول،وانتقالها على المستوى الرمزي فقط إلى مصر في عهد المماليك.
القومية الإيرانية هي التي ساعدت على بقاء اللغة الفارسية اللغة الرسمية لإيران حتى الأن،رغم التحولات اللغوية التي طرأت على الخط الفارسي من الخط القديم (المسمى بالبهلوية) إلى الكتابة بالخط العربي،متزامن ذلك مع مساهمات ليست بالهينة في الثقافة الإسلامية (كالبخاري والطبري وسيبويه وابن المقفع وغيرهم من ذوي الأصول الفارسية)،حتى أن أعظم الملاحم الإيرانية (الشاهنامه) للشاعر (الفردوسي) التي تناولت الهوية الفارسية الأصيلة كُتبت باللغة الفارسية في العهد العربي وفي ظل الحكم التركي لإيران، وما ورد في الشاهنامه لا يشكل مجرد مرحلة أسطورية قديمة في الوعي الإيراني بل هو متأصل في الذهنية الإيرانية بوصفه تاريخ حقيقي حدث بالفعل،تاريخ ليس له أي سند تاريخي ،يحتوي كل الملامح الفولكلورية للملاحم الإنسانية،ولكنه مُكوِّن أصيل للذات القومية الإيرانية.
وفي العصر الحديث حاولت الدولة البهلوية (رضا شاه بهلوي ومحمد رضا شاه) العمل على تذكية الروح الإيرانية في مقابل محو الطابع الديني عن الدولة في ظل الحلم الكمالي التركي لتأسيس دولة علمانية، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل أمام سطوة الحوزات الدينية،التي أوقفت المد العلماني ليس خشية على الدين أكثر منه خوفاً على تواجدها في المجتمع،وتتطورت الأحداث وصولاً للثورة الإيرانية الإسلامية الشيعية التي نسجت كل خيوط اللعبة ضد الآخر.ذلك الآخر العربي في البداية ثم الغربي (الأمريكي مثلاً)،وظل الحلم الإمبراطوري يسيطر على كل تحركات المد الثوري في البلدان العربية تحقيقاً للذات الإيرانية متبعة أساليب التحايل أحياناً والصدام أحياناً أخرى.وإلى الأن ـ وفي ظل حكومة إسلامية ـ ما زالت إيران تحتفظ بمعابد الزرادشتية ليست مجرد رمز بل كدين قائم،بل أن هناك ممثلين للأقلية الزردشتية في البرلمان الإيراني،حفاظاً على القومية الإيرانية أمام الهوية الأمريكية المكتسحة للعالم،والتواجد العربي بأشكاله المختلفة في محيطها الإستراتيجي.
فمن المستحيل ادراك طبيعة الشخصية الإيرانية في كل أبعادها ،اعتماداً فقط على الجانب الديني أو المذهبي،أو حتى السياسي منفرداً،بل لابد من متابعة التحولات التي مربها المجتمع الإيراني، وصولاً للشكل القائم الآن،في محاولة لفهم الواقع الإيراني كما هو، لا كما نريد أن نراه.