الخميس، 30 أبريل 2009

القومية الإيرانية :( الذات ..... والأخر )

تتحدد طبيعة المجتمعات من خلال مواقفها من الذات والآخر بكافة أشكاله،هذا ما يبلور الهوية القوية على مدار تاريخها،ولإيران سماتها الخاصة والمغايرة في تناولها للقضايا المفصلية في تطوراتها المجتمعية وفهمنا لآلية التناول تلك يساعدنا على فض العديد من الإشكاليات التي قد تبدوا متباينة.
فـ(جمهوري إسلامي إيران) بالفارسية، ترجمتها " جمهورية إيران الإسلامية" ،فالقومية الإيرانية مُقدمة على الهوية الدينية، حتى وإن بدا العكس ،فأصل التركيب في اللغة الفارسية (جمهوري إيران) مضاف ومضاف إليه،و(إسلامي) صفة للتركيب الإضافي وحسب قواعد اللغة الفارسية تأتي الصفة في منتصف التركيب.فرغم كل الادعاء الإيراني أنها الناطقة بإسم الإسلام في العالم ،إلا أن الطابع القومي هو المؤسس لبنية الذات الإيرانية،وهذا يتضح من مجرد ذكر إسم الدولة.
فالذاتية متأصلة في الوعي الاجتماعي والتاريخي الإيراني ،تلك السمة الآرية التي أسست للعمق الحضاري الممتد منذ حوالي الألف الرابع قبل الميلاد،وتشكيل الإمبراطورية الفارسية ـ في فترة الحكم الساساني ـ التي شملت معظم أجزاء العالم القديم .ذلك الطابع التوسعي هو المؤسس للذات الإيرانية المتضخمة، ورغبتها الدائمة في نفي الآخر تحت مظلتها،حتى لو كان هذا الآخر هو الإسلام ذاته .
تتجلى تلك السمات القومية في مشاهد واضحة في السياق الإيراني.فالتعامل الإيراني مع الدخول العربي جرد تلك المرحلة من محتواها،وفصل الإسلام كدين عن التناول الإيراني للعرب كمحتلين برابرة هدموا الحضارة الفارسية،وظلت الأدبيات التاريخية الفارسية تحتفظ بلفظة (اعراب) ـ الدالة على البدوية والهمجية ـ لدى وصف تلك المرحلة الهامة من التحول التاريخي.وحاولت إيران جاهدة الاستقلال عن الحكم العربي وتأسيس حكومة مستقلة،وإن لم تستطع سعت إلى السيطرة على الحكومات العربية على تتابعها، فاحتوت كل الحركات المعارضة مثل الحركة العلوية وكل ما تلاها من تأسيس مذهبي شيعي، كما ساعدت الدعوة العباسية لهدم الخلافة الأموية وكان مركز الدعوة في (خراسان) وبفضل (أبو مسلم الخراساني) حَكم العباسيون (132هـ).وفي ظل الحكم العباسي سيطرت النزعة الإيرانية وملامح الحضارة الفارسية القديمة على نظم الإدراة العربية،بل وصل النفوذ الإيراني منتهاه في ظل (هارون الرشيد) والبرامكة الفُرس ، ثم مناصرتهم للمأمون ومقتل الأمين.حتى تمكنت إيران بعد هذه الفترة من إعادة إحياء القومية الفارسية على شكل دويلات مستقلة عن الحكومة العربية،حتى انهيار الخلافة العباسية (656هـ) على يد المغول،وانتقالها على المستوى الرمزي فقط إلى مصر في عهد المماليك.
القومية الإيرانية هي التي ساعدت على بقاء اللغة الفارسية اللغة الرسمية لإيران حتى الأن،رغم التحولات اللغوية التي طرأت على الخط الفارسي من الخط القديم (المسمى بالبهلوية) إلى الكتابة بالخط العربي،متزامن ذلك مع مساهمات ليست بالهينة في الثقافة الإسلامية (كالبخاري والطبري وسيبويه وابن المقفع وغيرهم من ذوي الأصول الفارسية)،حتى أن أعظم الملاحم الإيرانية (الشاهنامه) للشاعر (الفردوسي) التي تناولت الهوية الفارسية الأصيلة كُتبت باللغة الفارسية في العهد العربي وفي ظل الحكم التركي لإيران، وما ورد في الشاهنامه لا يشكل مجرد مرحلة أسطورية قديمة في الوعي الإيراني بل هو متأصل في الذهنية الإيرانية بوصفه تاريخ حقيقي حدث بالفعل،تاريخ ليس له أي سند تاريخي ،يحتوي كل الملامح الفولكلورية للملاحم الإنسانية،ولكنه مُكوِّن أصيل للذات القومية الإيرانية.
وفي العصر الحديث حاولت الدولة البهلوية (رضا شاه بهلوي ومحمد رضا شاه) العمل على تذكية الروح الإيرانية في مقابل محو الطابع الديني عن الدولة في ظل الحلم الكمالي التركي لتأسيس دولة علمانية، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل أمام سطوة الحوزات الدينية،التي أوقفت المد العلماني ليس خشية على الدين أكثر منه خوفاً على تواجدها في المجتمع،وتتطورت الأحداث وصولاً للثورة الإيرانية الإسلامية الشيعية التي نسجت كل خيوط اللعبة ضد الآخر.ذلك الآخر العربي في البداية ثم الغربي (الأمريكي مثلاً)،وظل الحلم الإمبراطوري يسيطر على كل تحركات المد الثوري في البلدان العربية تحقيقاً للذات الإيرانية متبعة أساليب التحايل أحياناً والصدام أحياناً أخرى.وإلى الأن ـ وفي ظل حكومة إسلامية ـ ما زالت إيران تحتفظ بمعابد الزرادشتية ليست مجرد رمز بل كدين قائم،بل أن هناك ممثلين للأقلية الزردشتية في البرلمان الإيراني،حفاظاً على القومية الإيرانية أمام الهوية الأمريكية المكتسحة للعالم،والتواجد العربي بأشكاله المختلفة في محيطها الإستراتيجي.
فمن المستحيل ادراك طبيعة الشخصية الإيرانية في كل أبعادها ،اعتماداً فقط على الجانب الديني أو المذهبي،أو حتى السياسي منفرداً،بل لابد من متابعة التحولات التي مربها المجتمع الإيراني، وصولاً للشكل القائم الآن،في محاولة لفهم الواقع الإيراني كما هو، لا كما نريد أن نراه.

الأسطورة والمذهب في إيران

تمر المجتمعات الإنسانية بتغيرات تبدوا جذرية على مستوى الشكل لدى التحولات الدينية التي تعتريها على مدار تاريخها ولكن يظل المضمون كامن خلف هذا التغير الشكلي،فمن البديهي أن التفكير في الدين قديم قدم الإنسان و يُشّكل ذاكرة المجتمعات، تلك السمات الدينية القديمة سُمّيت بعد مرحلة الديانات السماوية بالأساطير،أي أن الأسطورة في شكل منها تجل للدين،أو كيفية التفكير البشري في الخالق على مدار التاريخ السحيق،ومن البديهي كذلك أن تترسب بعض الملامح الأسطورية في الوعي الاجتماعي ،وتتضح تلك السمات في مجتمعاتنا الشرقية لقدم اهتمامها بالشأن الديني.وإيران من أكثر الحضارات القديمة (حوالي 3000 ق.م.) التي بحثت عن المفاهيم والقيم الدينية.
كانت الديانة الرسمية في إيران قبل دخول الإسلام (الزرادشتيه) منسوبة لمنشئ الديانة ( زرادشت)، والفكرة الأساسية داخلها هي فكرة النور،فهناك خالق للعالم وهو إله النور،وهو الإله الأكبر وفي المقابل هناك إله الظلمة أو الكائن الشيطاني الذي يمثل كل شرور العالم،والوجود نتاج الصراع الأبدي بينهما فالحرب الأزلية سجال.وكل مرحلة إنتصار على الظلمة تشكل في الديانة مرحلة هامة وتتجسد بشكل طقوس خاصة والتي تسربت للوعي الشعبي بوصفها عيداً يُحتفل به كل عام مثل (عيد النيروز)،وهو أهم الأعياد الفارسية على الإطلاق،فهو عيد الربيع بعد انتصار إله النور على شيطان الظلمة الذي أوقع العالم في جدب وظلمة لا تنتهي، وفيه يتساوي الليل بالنهار أي النور بالظلمة ،وهو عيد بداية الحياة من جديد واكتمال نور الشمس،وفي مرحلة تالية نُسب هذا العيد لأحد الملوك الأسطوريين في إيران (جمشيد)،والذي أوكل له الإله بناء العالم بعد خراب شيطان الظلمة،وبعد انتهاءه من بناء البلاد وتعميرها وإرساء الأمان للبشر كان يوم النيروز،ومن يومها للأن تحتفل إيران به بوصفه عيد قومي تاريخي ـ كما تحتفل مصر بعيد شم النسيم ذا الجذور المصرية القديمة ـ بل أنه يُعد بداية السنة الإيرانية والتي تقابل تقريباً (20 مارس).حتى أن ممارسات العزاء التي كانت تُقام في إيران على بطلهم الأسطوري (سياوش) ـ تمت الإشارة له في العددين السابقين من صوت البلد تحت عنوان عزاء الحسين في إيران ـ كانت تُقام في النيروز.
ومع دخول الإسلام واعتناق إيران رسمياً المذهب الشيعي (القرن التاسع الهجري) ترسبت بعض المفاهيم القومية التاريخية في عمق المذهب لدى التناول الإيراني له،فمثلا روي عن الإمام (جعفر الصادق) الإمام السادس،أن يوم النيروز صادف يوم " غدير خُم" والذي بايع فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) علي بن أبي طالب بالخلافة من بعده ـ تبعاً للفكر الشيعي ـ ،وهو يوم معركة (النهروان) التي انتصر فيها علي على الخوارج الذين خرجوا عليه بعد أزمة التحكيم.بل أنه يوم خُلق آدم ويوم إستقرار سفينة نوح ،وهو يوم ظهور الشمس على الكون، والأهم أنه يوم عودة الإمام المهدي (الإمام الثاني عشر) الذي غاب ليعود في نهاية الزمان،فهو حسب تعبير جعفر الصادق (يوم الشيعة).كذلك هو اليوم التي سوف تقع فيه القيامة في المذهب الشيعي،ويستحسن فيه زيارة القبور وزيارة أضرحة الأئمة خاصة ضريح الحسين،وإيقاد الشموع والتوسل والدعاء،وهذا الأداء يتشابه كذلك في المذهب الزرادشتي فالنيروز كذلك يوم تقديس الموتى والتوسل بهم،وانسحبت تلك الفكرة لزيارة القبور لدى الشيعة.
ومن ضمن أشكال الدمج الأخرى بين الأسطورة الإيرانية والمذهب الشيعي أن مكان دفن زرادشت تحول إلى مدفن الإمام (على الرضا) الإمام الثامن لدى الشيعة والذي مات ودفن في مشهد.وكأن كان الهدف هو الحفاظ على مقبرة زرادشت فدفن مكانه شخصية ذات قداسة دينية تساويه في العقل الجمعي الإيراني. وكذلك قد بُني المسجد الجامع في أصفهان في إيران وهو من أكبر المساجد التاريخية،على أحد بيوت النار القديمة،أي تحول مكان العبادة الزرادشتي إلى مكان للعبادة كذلك ولكن من منظور إسلامي.خاصة وأن النار كانت مقدسة في الديانة الزرادشتية لكونها رمزاً للضياء لإله النور في ظلمة الليل وسطوة إله الظلمة،فكانت تُقام لها المعابد رمزاً للديانة ككل.فنُسيت الأصول وتبقت الأسماء الجديدة.
وعامة فإن توحد البيئة هو الذي ساعد على توحد البنية الفكرية للشعب الإيراني لدى تعاطيه مع فكرتين دينيتين،القديمة والإسلامية،خاصة إذا علمنا أن المجتمع الإيراني لم يتعامل مع أشكال الإحتلال الفعلي قبل دخول العرب،أي أنهم لم يمروا كما مر على المجتمع المصري بعد عهد الفراعنة من إحتلال روماني مثلاً،ثم دخول العرب بعد ذلك.كما أنهم رغم علمهم بالبديهة بالديانتين اليهودية والمسيحية لم يتنازل المجتمع الإيراني عن قوميته ولم يتخلى عن ديانته القديمة .هذا الإتجاه القومي هو المميز للشخصية الإيرانية في كافة مستوياتها التاريخي والسياسي والديني.

تجليات البطل في ملحمة السياسة الإيرانية

إن التراكمات التي ينتجها الوعي الاجتماعي للتحول فيما بعد إلى عالم من اللاوعي،يتنتج البنية الأساسية التي تتولد داخلها كل تجليات المجتمعات الإنسانية بشكل عام،تلك التفاعلات الباطنية لها طبيعتها الخاصة في المجتمع الإيراني،فمنذ بداية الحضارة الفارسية كان لمفهوم الفردية والبطولة رمزيته التأسيسية في تنامي الوعي التاريخي والسياسي الإيراني فيما بعد.
فالأسطورة الزرادشتية قد عمدت إلى خلق حالة من الصراع بين ثنائية الخير والشر،(آهورامزدا) إله الخير و(آهريمن) إله الشر،تلك الثنائية لم تهدف إلى الإنفصال الكامل من وجة نظري،أي أن العقل الأسطوري قد أوجد آهريمن الشيطاني حتى يبرر الوجود الإلهي من الأساس،فإله الخير ـ بوصفه بطل الأسطورة بلا منازع ـ لن يبرز دوره الحقيقي بلا منافس درامي يستحوذ على جزء من بنية الحدث الأسطوري.وهذا ما أشارت إليه الأسطورة في بدايتها،فتفاعل الكون وعناصره وانتقاله من الثبات المطلق الذي خلقه عليه أهورامزدا،إلى حالة الحركة ،لم تتم إلا في حال الفعل الشيطاني،ورغبة أهريمن في تدمير عالم النور الإلهي،حتى مفهوم الثواب والعقاب،معتمد في الأساس على تفاعل المخلوقات سلباً أو إيجاباً في اتجاه الشيطان،بمعنى أن العقل الأسطوري المؤسس للوعي الاجتماعي الإيراني غير قابل للتطوير إلا في وجود المنافس الدرامي على مستوى الحدث.
تلك الفكرة تُعاد صياغتها في الملاحم الفارسية بعد ذلك،ففي ملحمة الشاهنامة الشهيرة،نلاحظ في تطور الحدث الخاص بالبطل الرئيسي (رستم)،الذي واجه كل الأعداء التاريخيين للمجتمع الإيراني ـ (كأفرسياب) البطل التوراني (التركي) الشهيرـ لم يمت إلا على يد أخيه الغير شقيق،أي أن العنصر المضاد المحرك للملحمة لم يكن البطل المنافس،بل كان المُجسد لدور الشر هو الأخ.أي أن عنصر الشر لابد وأن يكون داخل نسيج البطل الأساسي،فالشر من عمق الخير موظف لديه،مثل أهريمن الذي يحتوى داخله عنصر القداسة،تلك القداسة الإلهية السمة،فذلك التناقض المفترض بين الخير والشر تناقض افتراضي منذ البداية،فرغم كون الشيطان هو رمز حركة الكون في الإتجاه المعاكس إلا أنه يصب لمصلحة إله الخير.
وعلى مستوى الوعي المذهبي خاصة في تجلياته الشعبية،إلا وكان له نقيضة المفترض،فالحكاية المذهبية تحول صراع علي ومعاوية إلى صراع بين الخير والشر،فهي تعطي لمعاوية كل سمات الشر،لصالح قداسة علي بن أبي طالب،ذلك الصراع انسحب كذلك إلى يزيد بن معاوية ومقتل الحسين بن علي،فالصراع لابد وأن يتم داخل الأسرة الواحدة،ونتاجه هو الذي يفيض على العالم فيما بعد،فلا يختلف الصراع ـ من حيث البنية ـ بين (أهريمن وأهورامزدا)،(رستم وأخيه)،(يزيد والحسين).
ثم تتجلى تلك الصراعات على مستوى الممارسة السياسية،فالصراع الوهمي الذي يتم في إيران منذ العقد الماضي وللأن،بين الإصلاحيين والمحافظين،يعتمد على نفس الفكرة المتكررة،فالإتجاه الإصلاحي المعارض لطبيعة النظام الإيراني المحافظ،ما هو إلا نتاج نفس الإتجاه المحافظ،وبرعايته التامة.فمنذ بداية الحكم الثوري الإسلامي،وهناك شعار أمريكا الشيطان الأعظم،وتقسيم العالم إلى (مستكبرين ومستضعفين)،ثم تلى ذلك مرحلة الحرب العراقية الإيرانية والتي استغرقت ثمان سنوات كاملة من الاستنفاز للشعب الإيراني لصالح تلك المعركة،ولكن مع نهاية الحرب،وبداية مرحلة جديدة في المجتمع الإيراني،كان لابد من افتعال صراع أخر في الداخل،فيُنّتَج الإتجاه الجديد من داخل بنية النظام نفسها،ليتحول المجتمع إلى الداخل بعد زوال أسباب العدو الخارجي أو عدم جدواها.
والدليل على ذلك أن رموز الإصلاح في السياسة الإيرانية من أبناء النظام ذاته،فمحمد خاتمي أشهر الإصلاحيين ورئيس الجمهورية الأسبق،كان رئيس الحرب الدعائية في الحرب العراقية الإيرانية،وكذلك (مير حسين موسوي) المرشح الحالي لرئاسة الجمهورية وأهم رموز الإصلاح،كان رئيس مجلس الوزراء في نفس مرحلة الحرب.وغيرهم.فهم أبناء النظام والثورة،ولهم دورهم الحقيقي في تثبيت دعائم النظام الذين يعارضوه الأن.
بمعنى أن الإتجاه الإصلاحي لا يتعدى كونه المحرك المعاكس للعودة ثانية لجعبة النظام،لا أكثر ولا أقل،فالبنية الثنائية الحاكمة للعقل الإيراني ليست بالحدة التي تبدوا عليها طوال الوقت،وإنما هي ثنائية تصب لمصلحة الفردية أو البطل الأوحد.

الثلاثاء، 21 أبريل 2009

176 عضواً في مجلس الشورى الإيراني يؤيدون نصر الله

في ظل حالة الهرج العام الذي ساد الأوساط السياسية ضد الموقف المصري في أزمة تنظيم حزب الله،ومحاولة جميع الأطراف المشاركة والمشار إليها ، نفي حق مصر كدولة لها سيادتها الداخلية ولها كل الحق في الحفاظ على أمنها القومي بالشكل الذي تراه مناسباً،صدر بيان من مجلس الشورى الإيراني يوم (15/4/2009)،بموافقة 176 عضواً يؤيدون موقف حسن نصر الله،وحزب الله،وينددون بالموقف بعض الأنظمة العربية ـ والمقصود مصر بالطبع ـ في القضية الأخيرة من تنظيم حزب الله في القاهرة.واصفين حسن نصر الله بأنه (الشمس الساطعة الذي يشع نورها في أرجاء العالم الإسلامي).كما أعلن (علي لاريجاني) رئيس مجلس الشورى الإيراني،أن ما حدث لحزب الله في مصر مؤامرة غير محبوكة الهدف منها التأثير على سير الإنتخابات اللبنانية القادمة،وأن هذا من قبيل التعاون مع النظام الصهيوني،ضد حزب الله الشيعي الذي ناصر فلسطين السنية.ولا أدري ما العلاقة الحقيقية بين إيران وحزب الله التي جعلت مجلس الشورى الممثل للشعب الإيراني يصدر هذا البيان التأييدي،ويحول القضية من دولة تدافع عن شأنها الداخلي إلي قضية شيعة وسنة،بشكل فج من التدخل لا يليق إلا بدولة تدافع عن مصالحها التوسعية في المنطقة بشكل عام،وإظهار الدور المصري كمنافس لهذه الطموحات الإيرانية.
والأمر بالطبع لايقف عن الحدود الإيرانية،ولكن القضية كشفت بقية العلاقات الخفية التي كانت ترفض طوال الوقت ربطها ببعضها البعض،فالمتحدث بإسم حركة حماس يُعلن في بيان له نشرته وكالة أنباء مهر الإيرانية،أن موقف النظام المصري من حزب الله يهدف منذ البداية حركة حماس،خاصة بعد موقف الحكومة المصرية من أزمة غزة السابقة ـ على حد زعمه ـ ولكن لأن الحركة سنية فالنظام المصري لم يجرؤ على مهاجمتها واستبدلها بحزب الله الشيعي،حتى لا يقابل بإستهجان من قبل الشعب المصري.وهذا بالطبع يتسق مع تصريحات نصر الله أن دور حزب الله في مصر هو تهريب الأسلحة إلى حماس بواسطة الأراضي المصرية،وبالتالي هذا يفتح باب التساؤل عن العلاقة التي ربطت بين حزب الله وحماس وإيران وهل موضوع مقاومة الإحتلال الإسرائيلي سبب كافي لإستغلال أراضي دولة أخرى ووصف مصر بالعمالة للصهيونية،مما أكد أن هناك أزرع حقيقية لإيران في المنطقة العربية لها مصالح تم المساس بها في القضية الأخيرة.
وإن كان هذا موقف إيران وحزب الله وإيران،وهو في السياق العام نجده متسقاً إلى حد بعيد على أرضية توحيد المصالح واستغلال الطبائع المذهبية لتنفيذ هذه المصالح،فالمدهش في الأمر والمحير أيضاً هو موقف الإخوان المسلمين من القضية ،فمهدي عاكف يصف ما يحدث بأنه نوع من التهريج الإعلامي كما يؤكد أنه لا أمل في الحكومات بل الأمل في الشعوب للحفاظ على المقاومة ضد إسرائيل،وأن الحكومات نوعان نوعاً مع المقاومة وآخر ضدها ويعمل لصالح الصهاينة والأمريكان،ولا أدري أإستغلال إيران وحزب الله الأراضي المصرية ومحاولة المساس بسيادة الدولة يُعتبر نوعاً من المقاومة!!!.
وكذلك من المدهش تصريحات (محمد الدريني)،أن ما يحدث نوعاً من الفولكلور الأمني،الهدف منه هو توجيه إتهامات للشيعة في مصر فمن المؤكد ـ من وجهة نظره ـ أن ما حدث لا يمكن فهمه بعيداً عن التصريحات الرسمية المصرية ضد إيران،وبعيداً عن تحول التشيع إلى فزاعة يستخدمها الأمن المصري ضد الشيعة في مصر.فالدريني ربط في تصريحاته بين التشيع في مصر كمذهب ديني له معتنقيه وبين إيران كدولة سياسية وبين الموقف المصري من الدولة الإيرانية.وكأن كل ما يحدث لأي شيعي في المنطقة لابد وأن يرتبط كلياً بالشيعة في مصر،وكأنه إعتراف من الدريني بالإنتماء الضمني لإيران وحزب الله،وهذا رغم خلافات الدريني المتعددة مع النظام في مصر،ليس له ما يبرره في هذه الأزمة،فالشيعة لهم تواجدهم في مصر على كل المستويات،ولكن المقلق في الأمر هو التساؤل الذي يُلح بشكل دائم،وهو ما طبيعة العلاقة التي تربط كل تلك العناصر المختلفة.فأزمة تنظيم حزب الله في مصر يخص الموضوع ذاته وسيادة مصر الداخلية فقط،فما الداعي لظهور كل تلك الأفكار المتضامنة مع حزب الله في لبنان،وتحويل الموضع ضد مصر على كافة الأصعدة،بما في ذلك الموقف الرسمي الإيراني.خاصة وأن المتهم الأول في التظيم قد تراجع عن اعترفاته كاملة التي أدلى بها أمام نيابة أمن الدولة العليا،فما كان الداعي للإعتراف ثم سحبه من جديد.؟!
من المؤكد أن العديد من أوراق اللعبة أصبحت على المكشوف،فإيران وحزب الله وحماس والإخوان والشيعة في مصر،توحدوا في خطاب واحد موجه ضد الموقف المصري تجاه الأزمة الأخيرة،مما يمثله هذا الموقف من إضرار بمصالحهم الخاصة،بعيداً عن محاولات اسباغ الموضوع بحرب المقاومة أو تحرير الأرض المحتلة.

الثلاثاء، 14 أبريل 2009

المُخلِّص وأساطير العصر الذهبي في المذهب الشيعي

تذكرت لدى كتابتي هذا المقال فيلم (عودة الإبن الضال) للمخرج الراحل يوسف شاهين،وشخصية (علي) المنتظر ليغير العالم من حوله،ذلك العالم الذي نراه فاسداً في بنيته من الأساس،بل كانت فكرة الإنتظار في حد ذاتها هي المُرتكز الأصيل في فساده.المخلص المنتظر الذي سيطهر العالم من قمة الرزيلة إلى قمة النقاء.
ما تدور حوله الأساطير الإنسانية لا يعدوا كونه إعادة صياغة لهذا البطل المنتظر،ففي الأساطير المصرية القديمة كان (حورس) هو المنتقم المخلص لأبيه (أوزوريس)،وفي الديانة (الزرادشتية) يكون المخلص أحد أحفاد زرادشت،الذي سيأتي في نهاية العالم ليملأ الأرض عدلاً،وينشر الدين الزرادشتي بمناصرة قوة الإله (أهورامزدا) ونوره المقدس.وفي المزامير ورد في المزمور (72):( اللهم أعط أحكامك للملك وبِرّك لإبن الملك،يدين شعبك بالعدل ومساكينك بالحق ..ويُخلص بني البائسيين ويسحق الظالمين). ورغم الخلاف القائم بين اليهودية والمسيحية في تأويل درو المسيح كمُخلص،إلا أن المسيح قد قام بهذا الدور في الديانة المسيحية وما زال المخلص منتظر في اليهودية.أي أن الفكر البشري والديني لا يمكنه الإستمرار بدون فكرة الأمل المنتظر الغد القادم بكل النُبل ليُعطي للحياة المعنى الناقص حتى تكتمل.
وانسحبت بالطبع تلك الفكرة على الإسلام،بمختلف مذاهبه،ولكن المذهب الذي يُعتبر هذا الموضوع أكثر تأسيساً فيه هو المذهب الشيعي.فنقطة الخلاف المركزية تكمن في رفض التشيع لمفهوم الخلافة أمام الإعلاء من قيمة الإمامة.أي توريث الحكم بعد مرحلة النبوة إلى أحفاد النبي (صلى الله عليه وسلم) وزريته من فاطمة وعلي.بوصفهم الأقدر والأعلم ولأن الله اختصهم ـ تبعاً للمذهب ـ بميزات ليست لأحد من خلقه.أي تجريدهم من وضعهم الإنساني لإلباسهم أثواب مقدسة كانت السبب في العديد من الإشكاليات داخل المذهب ذاته.فمع إنقسام التشيع لعدة مذاهب نتيجة للخلاف على مفهوم الإمامة ومن الأحق من أبناء الأئمة.توقفت الإثناعشرية عن الإمام الثاني عشر وهو المهدي المنتظر،وكان هذا هو مصدر الخلاف بين هذا المذهب والمذهب الإسماعيلي السبعي.
يرتكز المذهب الإثناعشري على فكرة غيبة الإمام الثاني عشر،وهو (محمد بن الحسن)،الحسن الذي تستر على ولادة محمد حتى لا يناله أذى بيد العباسيين،بل قد أمر أتباعه بإخفاء الأمر إلا عن المقربين،ولابد وأن تأتي ولادته ككل المخلصين بل ككل الأبطال المنتظرين في التاريخ الإنساني.فكما ورد في كتب التشيع أنه ولد مختوناً في ليلة النصف من شعبان،وأن أول من غسله كان رضوان خازن الجنة،بماء الكوثر والسلسبيل.وأنه لما ولد سطع النور من رأسه إلى عنان السماء ثم سقط ساجداً وشهد الشهادتين،وسمى أسماء الأئمة كلهم إلى أن وصل إليه.كما يروى أنه كانت حوله طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح بأجنحتها على رأسه لم تكن إلا ملائكة.وعندما مات والده الحسن العسكري (الإمام الحادي عشر) دخل محمد المهدي غيبته الصغرى،وكان يوصل علمه للأوصياء ومنهم للوكلاء لكل الأمة بل كان الناس يرسلوا فتواهم إليه في غيبته ويرد عليها،ثم غاب الغيبة الكبرى للأن حتى يظهر حينما تمتلئ الدنيا بالجور والفساد فياتي ليملأها عدلاً.
وهناك العديد من المظاهر الأسطورية التي تتصاحب مع ظهور المهدي في المذهب الشيعي منها أن الشمس سوف تنكسف في شهر رمضان مرتين مثلاً،وظهور نجم جديد في السماء يقال عنه (ذي الذنب)،وظهور نار من السماء تسبقه إلى العالم،بل أن السماء تتحول إلى اللون الأحمر الدموي.وكثرة الموتى في الدنيا بسبب الأمراض والحروب والفساد.وكذلك ظهور يأجوج ومأجوج،بل أن هناك بعض الروايات التي تؤكد على ظهور الحسين بن علي مع المهدي،ولا أدري أكان هو الأخر غائباً!!!.
فالمهدي في سماته الرئيسة هو إعادة صياغة لفترة النبوة وإحياء لمشروع اليوتوبيا الإسلامية أي أساطير العصر الذهبي،فهو كما ورد عنه أشد ما يكون الشبه بجده النبي،وما سوف يحققه هو إخراج العالم من الظلمات إلى النور،ومن الفساد إلى الصلاح،أي أن فكرة المهدوية هي إمتداد طبيعي للنبوة في موضوع الفكر الشيعي بشكل خاص.
أي أنه كلما زاد الكون فساداً كلما كان المهدي قرباً،وكلما تعددت أشكال الظلم تنوعت أحلام النجاة،تحولت الأحلام إلى رغبات مصدقة،يتطور خلالها كل الفكر الإنساني لصالح المخلص،فما أورده التشيع لا يختلف كثيراً عما ورد في كل الأفكار الإنسانية على مدار تاريخها،فالبطل المخلص همّ حملناه لأنفسنا حتى نحتمل ما لا يُحتمل،عندما يتحول الإنتظار إلى قيمة،والصمت إلى غاية.