الخميس، 30 أبريل 2009

تجليات البطل في ملحمة السياسة الإيرانية

إن التراكمات التي ينتجها الوعي الاجتماعي للتحول فيما بعد إلى عالم من اللاوعي،يتنتج البنية الأساسية التي تتولد داخلها كل تجليات المجتمعات الإنسانية بشكل عام،تلك التفاعلات الباطنية لها طبيعتها الخاصة في المجتمع الإيراني،فمنذ بداية الحضارة الفارسية كان لمفهوم الفردية والبطولة رمزيته التأسيسية في تنامي الوعي التاريخي والسياسي الإيراني فيما بعد.
فالأسطورة الزرادشتية قد عمدت إلى خلق حالة من الصراع بين ثنائية الخير والشر،(آهورامزدا) إله الخير و(آهريمن) إله الشر،تلك الثنائية لم تهدف إلى الإنفصال الكامل من وجة نظري،أي أن العقل الأسطوري قد أوجد آهريمن الشيطاني حتى يبرر الوجود الإلهي من الأساس،فإله الخير ـ بوصفه بطل الأسطورة بلا منازع ـ لن يبرز دوره الحقيقي بلا منافس درامي يستحوذ على جزء من بنية الحدث الأسطوري.وهذا ما أشارت إليه الأسطورة في بدايتها،فتفاعل الكون وعناصره وانتقاله من الثبات المطلق الذي خلقه عليه أهورامزدا،إلى حالة الحركة ،لم تتم إلا في حال الفعل الشيطاني،ورغبة أهريمن في تدمير عالم النور الإلهي،حتى مفهوم الثواب والعقاب،معتمد في الأساس على تفاعل المخلوقات سلباً أو إيجاباً في اتجاه الشيطان،بمعنى أن العقل الأسطوري المؤسس للوعي الاجتماعي الإيراني غير قابل للتطوير إلا في وجود المنافس الدرامي على مستوى الحدث.
تلك الفكرة تُعاد صياغتها في الملاحم الفارسية بعد ذلك،ففي ملحمة الشاهنامة الشهيرة،نلاحظ في تطور الحدث الخاص بالبطل الرئيسي (رستم)،الذي واجه كل الأعداء التاريخيين للمجتمع الإيراني ـ (كأفرسياب) البطل التوراني (التركي) الشهيرـ لم يمت إلا على يد أخيه الغير شقيق،أي أن العنصر المضاد المحرك للملحمة لم يكن البطل المنافس،بل كان المُجسد لدور الشر هو الأخ.أي أن عنصر الشر لابد وأن يكون داخل نسيج البطل الأساسي،فالشر من عمق الخير موظف لديه،مثل أهريمن الذي يحتوى داخله عنصر القداسة،تلك القداسة الإلهية السمة،فذلك التناقض المفترض بين الخير والشر تناقض افتراضي منذ البداية،فرغم كون الشيطان هو رمز حركة الكون في الإتجاه المعاكس إلا أنه يصب لمصلحة إله الخير.
وعلى مستوى الوعي المذهبي خاصة في تجلياته الشعبية،إلا وكان له نقيضة المفترض،فالحكاية المذهبية تحول صراع علي ومعاوية إلى صراع بين الخير والشر،فهي تعطي لمعاوية كل سمات الشر،لصالح قداسة علي بن أبي طالب،ذلك الصراع انسحب كذلك إلى يزيد بن معاوية ومقتل الحسين بن علي،فالصراع لابد وأن يتم داخل الأسرة الواحدة،ونتاجه هو الذي يفيض على العالم فيما بعد،فلا يختلف الصراع ـ من حيث البنية ـ بين (أهريمن وأهورامزدا)،(رستم وأخيه)،(يزيد والحسين).
ثم تتجلى تلك الصراعات على مستوى الممارسة السياسية،فالصراع الوهمي الذي يتم في إيران منذ العقد الماضي وللأن،بين الإصلاحيين والمحافظين،يعتمد على نفس الفكرة المتكررة،فالإتجاه الإصلاحي المعارض لطبيعة النظام الإيراني المحافظ،ما هو إلا نتاج نفس الإتجاه المحافظ،وبرعايته التامة.فمنذ بداية الحكم الثوري الإسلامي،وهناك شعار أمريكا الشيطان الأعظم،وتقسيم العالم إلى (مستكبرين ومستضعفين)،ثم تلى ذلك مرحلة الحرب العراقية الإيرانية والتي استغرقت ثمان سنوات كاملة من الاستنفاز للشعب الإيراني لصالح تلك المعركة،ولكن مع نهاية الحرب،وبداية مرحلة جديدة في المجتمع الإيراني،كان لابد من افتعال صراع أخر في الداخل،فيُنّتَج الإتجاه الجديد من داخل بنية النظام نفسها،ليتحول المجتمع إلى الداخل بعد زوال أسباب العدو الخارجي أو عدم جدواها.
والدليل على ذلك أن رموز الإصلاح في السياسة الإيرانية من أبناء النظام ذاته،فمحمد خاتمي أشهر الإصلاحيين ورئيس الجمهورية الأسبق،كان رئيس الحرب الدعائية في الحرب العراقية الإيرانية،وكذلك (مير حسين موسوي) المرشح الحالي لرئاسة الجمهورية وأهم رموز الإصلاح،كان رئيس مجلس الوزراء في نفس مرحلة الحرب.وغيرهم.فهم أبناء النظام والثورة،ولهم دورهم الحقيقي في تثبيت دعائم النظام الذين يعارضوه الأن.
بمعنى أن الإتجاه الإصلاحي لا يتعدى كونه المحرك المعاكس للعودة ثانية لجعبة النظام،لا أكثر ولا أقل،فالبنية الثنائية الحاكمة للعقل الإيراني ليست بالحدة التي تبدوا عليها طوال الوقت،وإنما هي ثنائية تصب لمصلحة الفردية أو البطل الأوحد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق