الثلاثاء، 14 أبريل 2009

المُخلِّص وأساطير العصر الذهبي في المذهب الشيعي

تذكرت لدى كتابتي هذا المقال فيلم (عودة الإبن الضال) للمخرج الراحل يوسف شاهين،وشخصية (علي) المنتظر ليغير العالم من حوله،ذلك العالم الذي نراه فاسداً في بنيته من الأساس،بل كانت فكرة الإنتظار في حد ذاتها هي المُرتكز الأصيل في فساده.المخلص المنتظر الذي سيطهر العالم من قمة الرزيلة إلى قمة النقاء.
ما تدور حوله الأساطير الإنسانية لا يعدوا كونه إعادة صياغة لهذا البطل المنتظر،ففي الأساطير المصرية القديمة كان (حورس) هو المنتقم المخلص لأبيه (أوزوريس)،وفي الديانة (الزرادشتية) يكون المخلص أحد أحفاد زرادشت،الذي سيأتي في نهاية العالم ليملأ الأرض عدلاً،وينشر الدين الزرادشتي بمناصرة قوة الإله (أهورامزدا) ونوره المقدس.وفي المزامير ورد في المزمور (72):( اللهم أعط أحكامك للملك وبِرّك لإبن الملك،يدين شعبك بالعدل ومساكينك بالحق ..ويُخلص بني البائسيين ويسحق الظالمين). ورغم الخلاف القائم بين اليهودية والمسيحية في تأويل درو المسيح كمُخلص،إلا أن المسيح قد قام بهذا الدور في الديانة المسيحية وما زال المخلص منتظر في اليهودية.أي أن الفكر البشري والديني لا يمكنه الإستمرار بدون فكرة الأمل المنتظر الغد القادم بكل النُبل ليُعطي للحياة المعنى الناقص حتى تكتمل.
وانسحبت بالطبع تلك الفكرة على الإسلام،بمختلف مذاهبه،ولكن المذهب الذي يُعتبر هذا الموضوع أكثر تأسيساً فيه هو المذهب الشيعي.فنقطة الخلاف المركزية تكمن في رفض التشيع لمفهوم الخلافة أمام الإعلاء من قيمة الإمامة.أي توريث الحكم بعد مرحلة النبوة إلى أحفاد النبي (صلى الله عليه وسلم) وزريته من فاطمة وعلي.بوصفهم الأقدر والأعلم ولأن الله اختصهم ـ تبعاً للمذهب ـ بميزات ليست لأحد من خلقه.أي تجريدهم من وضعهم الإنساني لإلباسهم أثواب مقدسة كانت السبب في العديد من الإشكاليات داخل المذهب ذاته.فمع إنقسام التشيع لعدة مذاهب نتيجة للخلاف على مفهوم الإمامة ومن الأحق من أبناء الأئمة.توقفت الإثناعشرية عن الإمام الثاني عشر وهو المهدي المنتظر،وكان هذا هو مصدر الخلاف بين هذا المذهب والمذهب الإسماعيلي السبعي.
يرتكز المذهب الإثناعشري على فكرة غيبة الإمام الثاني عشر،وهو (محمد بن الحسن)،الحسن الذي تستر على ولادة محمد حتى لا يناله أذى بيد العباسيين،بل قد أمر أتباعه بإخفاء الأمر إلا عن المقربين،ولابد وأن تأتي ولادته ككل المخلصين بل ككل الأبطال المنتظرين في التاريخ الإنساني.فكما ورد في كتب التشيع أنه ولد مختوناً في ليلة النصف من شعبان،وأن أول من غسله كان رضوان خازن الجنة،بماء الكوثر والسلسبيل.وأنه لما ولد سطع النور من رأسه إلى عنان السماء ثم سقط ساجداً وشهد الشهادتين،وسمى أسماء الأئمة كلهم إلى أن وصل إليه.كما يروى أنه كانت حوله طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح بأجنحتها على رأسه لم تكن إلا ملائكة.وعندما مات والده الحسن العسكري (الإمام الحادي عشر) دخل محمد المهدي غيبته الصغرى،وكان يوصل علمه للأوصياء ومنهم للوكلاء لكل الأمة بل كان الناس يرسلوا فتواهم إليه في غيبته ويرد عليها،ثم غاب الغيبة الكبرى للأن حتى يظهر حينما تمتلئ الدنيا بالجور والفساد فياتي ليملأها عدلاً.
وهناك العديد من المظاهر الأسطورية التي تتصاحب مع ظهور المهدي في المذهب الشيعي منها أن الشمس سوف تنكسف في شهر رمضان مرتين مثلاً،وظهور نجم جديد في السماء يقال عنه (ذي الذنب)،وظهور نار من السماء تسبقه إلى العالم،بل أن السماء تتحول إلى اللون الأحمر الدموي.وكثرة الموتى في الدنيا بسبب الأمراض والحروب والفساد.وكذلك ظهور يأجوج ومأجوج،بل أن هناك بعض الروايات التي تؤكد على ظهور الحسين بن علي مع المهدي،ولا أدري أكان هو الأخر غائباً!!!.
فالمهدي في سماته الرئيسة هو إعادة صياغة لفترة النبوة وإحياء لمشروع اليوتوبيا الإسلامية أي أساطير العصر الذهبي،فهو كما ورد عنه أشد ما يكون الشبه بجده النبي،وما سوف يحققه هو إخراج العالم من الظلمات إلى النور،ومن الفساد إلى الصلاح،أي أن فكرة المهدوية هي إمتداد طبيعي للنبوة في موضوع الفكر الشيعي بشكل خاص.
أي أنه كلما زاد الكون فساداً كلما كان المهدي قرباً،وكلما تعددت أشكال الظلم تنوعت أحلام النجاة،تحولت الأحلام إلى رغبات مصدقة،يتطور خلالها كل الفكر الإنساني لصالح المخلص،فما أورده التشيع لا يختلف كثيراً عما ورد في كل الأفكار الإنسانية على مدار تاريخها،فالبطل المخلص همّ حملناه لأنفسنا حتى نحتمل ما لا يُحتمل،عندما يتحول الإنتظار إلى قيمة،والصمت إلى غاية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق