الأربعاء، 25 مارس 2009

أسرار المصالحة بين إيران والقرضاوي




إن بدايات القضية ليست غائبة عن أحد ،فمنذ أعلن يوسف القرضاوي (رئيس الإتحاد العالمي للعلماء المسلمين) موقفه شديد اللهجة ضد التشيع وإيران،منذ ما يقرب من ستة أشهر ،وأعتبر القرضاوي أن إيران هي صاحبة المصلحة الأولى في نشر التشيع في العالم الإسلامي بل و(التبشير) به على حد قوله،ذلك التعبير الذي أغضب الأوساط الشيعية والإيرانية تحديداً أكثر من الموضوع ذاته،فآية الله تسخيري (رئيس الإتحاد العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية) بل ونائب (الإتحاد العالمي للعلماء المسلمين) الذي يرأسه القرضاوي،قد أعرب عن إستياءه الشديد من موقف القرضاوي الذي قد يثير الفتنه بين عموم المسلمين،وأكثر ما أثاره وصف القرضاوي المد الشيعي بالتبشير (فهذا اللفظ لا يستخدم إلا لوصف حركات التبليغ المسيحي في العالم) على حد قوله،والمنشور على موقع الإتحاد العالمي للتقريب بين المذهب رداً على دعاوي القرضاوي.الغريب في الأمر أنه لم ينكر وجود المد الشيعي من عدمه،وكأنه أمر مسلم به ولا حاجة لنقاشه ولكن الاختلاف فقط أنستخدم تبشير أم مد!!.
وظلت الأزمة مشتعلة ولكن بشكل محير،فطوال الفترة السابقة كان الهجوم الشيعي العربي على القرضاوي أشد قوة من رد الفعل الإيراني،فهذا أحمد راسم النفيس في موقع (صوت العراق بتاريخ 16 ـ 9 ـ 2008) يجرجرنا جميعاً إلى مناطق خلاف تراثية ليس موضوعها الآن ولا حتى تصريحات القرضاوي حين قال :" نحن بالتأكيد لا نرد هنا على هذيانات الشيخ ولا على المبررات التي يسوقها لتدعيم تحذيراته أو تحريضه المستمر، و من أجل طمأنته فهو في كل الحالات لا يختلف ولن يختلف عن معاوية ويزيد وزياد ابن أبيه الذين قتلوا أصحاب النبي الأكرم محمدا صلى الله عليه وآله لأنهم حسب شهادة أبي بردة بن أبي موسى الأشعري (كفروا بالله) نسبة لأمير المؤمنين ومولى المتقين علي بن أبي طالب عليه السلام!!.. ولكننا نود أن يعرف الجميع أن الشيعة في مصر لا يحظون بدعم أي جهة على وجه الأرض شيعية كانت أم غير شيعية وليس لهم أي ميزانية رغم أن الشيخ يزعم أن الميزانية تتجاوز المليار دولار أو يزيدون!!.." . وهذا محمد الباقر المهدي (سكرتير المراجع الدينية لشيعة الكويت) يطالب الأزهر برفع العمامة عن القرضاوي،وإسقاط قطر الجنسية عنه،لأنه يثير الفتنة بين المسلمين.ولا أدري هل الشيعة العرب قرروا الدفاع عن إيران وعلاقتها بالمد الشيعي،أم دافعوا لصالح إستقلاليتهم المزعومة عن إيران فحولوا دفة الحديث عن المذهب لا عن إيران؟مع التأكيد على نفيهم أي صلة بإيران أو تمويلها،مما يؤكد بشكل أو بأخر أن كلاهما (الشيعة العرب وإيران) وجهان لعملة واحدة،مهما أشاعوا العكس.
فطوال نفس المدة لم تتعدى تصريحات إيران ضد القرضاوي سوى ما نشر في وكالة (مهر) للأخبار،والتي تنصلت منه بعد ذلك،وهذه المفارقة تستدعي تساؤلات عدة ملتبسة إلى حد بعيد،فكما نشر على موقع القرضاوي أن (الدكتور سيد مهدي خاموشي) رئيس (منظمة الإعلام الإسلامي الإيراني) قد أرسل إعتذاراً للقرضاوي عما بدر من موظف غير منضبط في وكالة مهر وأنه تم فصله،كما تسلم رسالة دعوة خاصة من (علي لريجاني) رئيس مجلس الشورى الإيراني،لحضور المؤتمر الدولي الرابع المنعقد بإيران،وهذا منشور بتاريخ (10/3/2009).أي أن الإعتذار يؤكد فقط على ما تم نشره في مهر،وأنه مجرد خطأ موظف لم يستشر الوكالة فيما يفعل.دعنا نراجع عناصر الخطاب الإعتذاري ،فهو مرسل يوم (28 /2/2009)،أي بعد إشتعال الأزمة بستة أشهر،وبعد نشر الموضوع في مهر بنفس المدة تقريباً فهو منشور بتاريخ (13/9/2008)،وكاتب المقال الذي تم فصله هو (حسن هانى زاده) وهو رئيس القسم العربي في الوكالة وخبير بالشئون العربية والإيرانية وله العديد من المقالات والدراسات بهذا الشأن،وذا تواجد ملحوظ على الساحات العربية الخليجية واللبنانية خاصة.ويمكن إجمال مقالته التي أثارت كل هذه الضجة في الآتي،المقالة مكتوبة تحت عنوان " القرضاوي وخطابه الطائفي "،ومن أهم ما كتبه في المقال : " هذا الكلام وما شابهه سبق وأن جاء على لسان حاخامات اليهود الذين كانوا ومازالوا يحذرون العالم من خطر المد الشيعي واستبصار المجتمعات العربية لأن الخسائر التي تعرض لها الجيش الإسرائيلي في حرب تموز عام 2006 جاءت على يد أبناء الطائفة الشيعية في لبنان دون غيرها.... ولا شك أيضا بأن الشيخ القرضاوي يستذكر تماما أنه خلال نكسة حزيران كان جنرالات العرب في العريش وشرم الشيخ وسيناء قد هربوا من ميادين القتال متنكرين بزي رعاة الأغنام تاركين وحداتهم العسكرية عرضة للغزو الصهيوني.فعندما تأتي بعدما يقارب أربعة عقود على تلك النكسة الأليمة ، ثلة من الشباب في لبنان ليعيدوا المجد والإباء إلى الأمة الإسلامية فلابد أن يصبح هؤلاء الشبان قدوة لباقي شباب العرب بغض النظر عن هويتهم.". وكأن الحرب الإسرائيلية اللبنانية جاءت لصالح حزب الله نتيجة لتشيعه ليس إلا ولا علاقة لأي من الموازنات الدولية أو الخيارات الإستراتيجية والذي على رأسها إيران ذاتها أي إعتبار من وجهة نظره.كما نلاحظ أن الزمن قد توقف لدى كاتب المقال فلم يعلم شيئاً عن حرب (1973)،فما زال متوقفاً عند مرحلة هزيمة (67).
وكذلك : " فإذا بات المذهب الشيعي يلقى تجاوباً لدى الشعوب المسلمة الواقعة تحت الظلم والإضطهاد فهذا مدعاة للفخر والسرور ويعتبر معجزة من معجزات آل بيت رسول الله "ص" لأن الشعوب المسلمة وجدت ضالتها في هذا المذهب الإسلامي اإانساني حيث أن الشيعة قدمت نموذجاً رائعاً من الحكم الإسلامي لم يكن متوفرا بعد حكم النبي "ص" وحكم أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام".
فالكاتب لم ينكر أي مما قاله القرضاوي من مد شيعي ولكن هذا لا يعود الفضل فيه لإيران أو غيرها إنما للمعجزات الخارقة التي ينتجها المذهب وآل البيت ،فالمذهب هو المسؤول بشكل مباشر فليحاسبه القرضاوي إذن!!!.
ومن ضمن ما قال كذلك : " فتنامي المد الشيعي لا يحتاج الى خبراء ولا إنفاق المليارات من الدولارات ولا بكوادر متدربة بل يعتبر صحوة حقيقية باتت تجتاح الشعوب المسلمة التي سئمت من سماع التصريحات المنافقة لعلماء السوء ونزعتهم الطائفية.فإذن الرغبة الجامحة لدى الشباب العربي في الإنتماء الى المذهب الشيعي تعود الى تسامح هذا المذهب وابتعاده عن العصبية الطائفية الجاهلية وإنفتاحه على مناقشة باقي الآراء والأفكار حيث أن باقي المذاهب الإسلامية تختلف كثيرا عن مثل هذه التوجهات ولا تقبل الرأي الآخر...... ألا يحق للشعوب الإسلامية أن تشكك بإنتماء الشيخ القرضاوي السياسي وتتساءل : هل بات الشيخ القرضاوي يتحدث بهذه التصريحات المشينة نيابة عن زعماء الماسونية العالمية أو عن الحاخامات اليهود؟لماذا يسعى هذا الشيخ الكهل بين حين وآخر لإثارة النعرات الطائفية وتوجيه الإساءة إلى شيعة آل رسول الله "ص" مستغلا الإعلام العربي والغربي المثير للفتن؟." "
يُعد هذا المقال هو الأهم على الساحة الإيرانية في هذه القضية وقد يكون الوحيد،والذي أثار القرضاوي لدرجة أنه طالب بإعتذار رسمي من الحكومة الإيرانية،والتي بدورها زايدت على طلبه وفصلت (حسن زاده)،والذي علق بدوره على فصله في (الأخبار اللبنانية عدد 655 / الإثنين 2008)،بأنه غير نادم على ما قاله عن القرضاوي،وأنه تقبل قرار الفصل برحابة صدر حرصاً منه على الوحدة الإسلامية ومساعدة لطهران في وأد نار الفتنة التي أثارها القرضاوي ـ وهذا بالطبع ما نلاحظه في مقالته السابقة الذكر فهو كما يبدوا غير متعصب تماماً وفي منتهى الموضوعية !!!ـ كما وصف في ذات الرد القرضاوي بوصفه عميلاً للوهابية وأنه يحظى بدعم سعودي من قناة العربية و جريدة الشرق الأوسط،واللذين بدورهم متواطئين مع إسرائيل ضد إيران والشيعة في العالم.(فحسن زاده) يعرض موقفه بوصف أن المذهب الشيعي هو المخلص للشعوب العربية بل والعالم من ظلم الدولة الإسرائيلية،وأن كل من يعارضه أو يعارض إنتشاره عميل للسلفيين ولإسرائيل في كفة واحدة من وجهة نظره.
المثير للجدل كذلك أن إعتذار إيران يأتي ممهور من رئيس (منظمة الإعلام الإسلامي ) تلك المنظمة تتبع مباشرة ( المجلس الأعلى للثورة الثقافية الإيرانية)،والذي أسس من قبل الخوميني ذاته بعد الثورة مباشرة ويهدف إلى نشر الفكر الثوري وتطهير الواقع الثقافي والجامعي من كل معارض للفكر الإسلامي أو للمبادئ الثورية،وكذلك العمل على أسلمة الجو الجامعي وتغيير البرامج التعليمية بما يعود بمنفعة على الشعب الإيراني (هذا من خلال اللائحة التأسيسية للمجلس) والذي يرأسه المرشد الأعلى شخصياً، ويضم (44) عضواً أساسياً يُعدون من المحركين للواقع الإيراني في كل المجالات،فمنهم (محمود أحمدي نجاد)،و(علي لاريجاني)،و(علي أكبر ولايتي)،وكذلك ( سيد مهدي خاموشي) رئيس (منظمة الإعلام الإسلامي)،وكما تتبع وزارة الثقافة ،وجهاز التليفزيون وغيرهما الكثير المجلس الأعلى للثورة الثقافية.
أي أن رئيس (منظمة الإعلام الإسلامي) يُعد من الشخصيات الفاعلة على الساحة الإيرانية،وله مكانته القريبة من صنع القرار في إيران،كما أن الدور المنوط بالمنظمة هو نشر الفكر الثوري الإسلامي ومواجهة كل من يضر بهذا المبدأ من أي جهة،ولها إنتشارها في كل محافظات إيران ولها نفوذ لا يُستهان به في الدول ذات الطابع الشيعي سواء حكومةً أو شعباً.وقد صدق الخوميني ذاته على قيام تلك المنظمة بوصفها منظمة لها إستقلاليتها القانونية والإدراية فهي شبه حكومية ولكن لا تتبع مباشرة أي جهاز حكومي إلا المرشد بالطبع.فهي ذات صلة مباشرة بالجماهير والمنوطة بتثقيفه وتوعيته والحفاظ على وعيه من أي دعايات خارجية ضد التوجهات الإسلامية أو الثورية ـ فهي من ضمن الأوصياء على الوعي الاجتماعي الإيراني ـ ،ومن ضمن أهم ما تقوم به هو (تفعيل وكالة مهر)،والتي تتبعها مباشرة الآن.ودورها هو نشر أخبار المنظمة مبدئياً وكذلك العمل على نشر كل ما يخدم توجهات الدولة الإيرانية على كل المستويات وفي كل الجهات.
وبالتالي نلاحظ أن تسلسل الذي ينتج (مهر) يجعلها من المؤسسات الدعائية المهمة في نطاق الدولة الإيرانية،وأن ما فعله (حسن هانى زاده) لا يتعدى كونه أداء يزايد فيه على التوجهات الإيرانية بشكل عام وعلى سياسة المؤسسة التي تتبعها الوكالة،حتى وإن لم تُعلن المنظمة أي قرار رسمي على لسان (سيد مهدي خاموشي) ضد تصريحات القرضاوي.وهذا ما ينقلنا إلى تساؤل آخر إن كان كانت مقالة (حسن زاده) نابعة من التوجهات الإيرانية فلماذا تعمل المؤسسة على طرده؟،من وجهة نظري أن التضخيم الإعلامي الذي صاحب صدور المقاله، اختزل الدور الإيراني في القضية إلى مجرد شخص كتب مقالة واحدة في هذا الشأن مما حدى بإيران أن تنفي كل الصيغ الممكنة التي تورطها ،فرغم أنها المستهدفة الأولى من تصريحات القرضاوي إلا أنها قررت أخذ موقف الحياد الظاهري وكل ما فعله كاتب المقال أنه كسر هذا الحياد عامداً أو مأموراً.
خاصة وأن هناك من ينوب عن إيران في هذا الشأن وهم الشيعة في المجتمعات العربية الذين كانوا على أهبة الإستعداد للرد عن إيران أو أي تورط قد يشوبها في قضية المد الشيعي في العالم العربي،وحين قررت إيران الإعتذار عن موقف هذا الموظف غير المنضبط على حد تعبير رسالة الإعتذار،فيصمت الجميع كل الأبواق الدعائية المناقضة للقرضاوي،وكأنها أشارت لهم بالتوقف،فجفت الأقلام.مما يؤكد من حيث رغب الجميع في النفي أن لإيران سطوتها الحقة على المجتمعات الشيعية في البلدان العربية.
والتساؤل الذي أصبح أكثر إلحاحاً هو لماذا أثار القرضاوي كل هذه الأزمة،وما الفائدة التي قد تعود عليه من تورطه في هذه المعركة الوهمية،فكما أشرنا أن نائبه في الإتحاد العالمي للعلماء المسلمين هو (آية الله تسخيري) أي أن الشيعة لهم حضورهم الكافي في الإتحاد ذاته الذي يرأسه.هذا من جانب ومن جانب أخر ما أتى به القرضاوي ليس بجديد على الإطلاق فمن المعلوم بالبداهة أن هناك تواجد شيعي كبير في مصر والخليج وسوريا ولبنان بالطبع،وغيرها من البلدان العربية،وأن هناك صلات قوية بين الشيعة العرب و الجمهورية الإيرانية،وأن نظرية المد الشيعي والإمتداد الإيراني في المنطقة قضية تحتاج إلى مزيد من النقاش،فمن ضمن الأهداف الرئيسية للثورة الإيرانية هو نشر الفكر الثوري ذا الطابع الديني،في محاولة دائمة من إيران لفرض نفوذها العام على العالم العربي وغيره من المجتمعات،ولكن الأمر ليس بالضرورة مرتبطاً بالتشيع،وإلا فما تفسير العلاقات المتينة بيين إيران وحماس مثلاً.وكأن القرضاوي قرر إستخراج تراثيات التاريخ الإسلامي من أمثال سب الصحابة وتقديس آل البيت وغير ذلك من القضايا التي على أهميتها التاريخية إلا أنها بعيدة عن الواقع الديني الآن على مستوى التأثير على الأقل.فهل من الممكن الأن أن يتحول سني إلى شيعي؟!،ولما؟!،وماذا سيضيف التشيع للواقع الديني العربي.خاصة وأن هناك جانب واضح من القضية لابد من الإشارة إليه وهو المد السلفي في المقابل في كل الصياغات العربية بل وغير العربية فهل أراد القرضاوي أن يهاجم المد الشيعي لصالح المد السلفي مثلاً؟!.
والغريب في الأمر هو موقف الإخوان المسلمين من القضية برمتها،إلتزام الصمت إزاء تصريحات القرضاوي في محاولة منهم لتحميلة المسؤولية منفرداً بلإضافة للمحافظة على العلاقات المتينة بالنظام الإيراني،فيُترك الأمر مع إلتزام إيران الصمت لتصبح القضية بين القرضاوي الممثل للتيار السلفي أمام الشيعة العرب.حتى تتم التسوية بين إيران والقرضاوي.بعيداً عن ساحة الإخوان المستفيدة من كل الجوانب.
خاصة وأن الدعوة موجهة للقرضاوي من (علي لريجاني) الذي بالإضافه إلى كونه رئيس مجلس الشورى الإيراني،كان الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي،وهذا المجلس يُعد من المجالس الأساسية التي تعمل على تحديد المصالح الوطنية الكبرى وقد استقال منه اعتراضاً على إدارة نجاد للدولة خاصة للملف النووي،ودور وزير الخارجية الإيراني (منوچهرمتقي) في تدوير القضية دولياً،هذا بالإضافة إلى كون علي لريجاني كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي السابق.والدولة الإيرانية مهما بدا عليها أنها دولة مؤسسات ولكنها ستظل دولة أشخاص.فما تفسير أن شخصيات بهذا الثقل في المجتمع الإيراني تعمل على ترضية القرضاوي بشتى الوسائل.
ثم تأتي تصريحات القرضاوي (المصري اليوم العدد 1733 الخميس 12/3/2009) تؤكد أن المصالحة مع إيران ولكن ليست مع التشيع،فهو مع إيران كدولة ومع حقها في إمتلاك مشروعها النووي ولو قاتلتها الولايات المتحدة،ولكنه يرفض المد الشيعي.ولا أدري ما هذا التناقض البادي في خطاب القرضاوي،(وكأن المد الشيعي هيمد لوحده) بدون إيران، فهل هو مع إيران أم ضدها،وإن كان معها فلماذا الهجوم على دورها في المنطقة الذي تراه مناسباً لمصالحها كدولة بما في ذلك نشر التشيع؟!،وإن كان ضدها فما سر قبول الإعتذار وعقد تسوية تبدوا واضحة للعيان بين الحكومة الإيرانية المتجسدة في شخص (سيد مهدي خاموشي) ومنظمة الإعلام الإسلامي متوارية خلف طابع المنظمة المستقل نسبياً أو الشبه رسمي،وبين القرضاوي بوصفه (رئيس الإتحاد العالمي للعلماء المسلمين).وذا سطوة خاصة على معظم التوجات الإسلامية في المنطقة.فهل كانت تلك النهاية هي التي هدف إليها القرضاوي منذ البداية؟!.
وهل سنتابع الفترة القادمة تصريحات مختلفة تماماً لكلا الطرفين؟।،وما هي المصالح المرجوة لإيران في هذه المرحلة من التسوية،وما علاقة هذا بتصريحات القرضاوي عن الملف النووي الإيراني، ونظرة الحكومة الأمريكية الجديدة للدور الإيراني في المنطقة هذا ما ستوضحه الأحداث في الأيام الآتية.

إنسحاب (خاتمي) زعيم الإصلاحين في إيران ..لصالح من؟

كان لانسحاب محمد خاتمي أبرز عناصر الحركة الإصلاحية في إيران من الترشيح للإنتخابات الرئاسية في دورتها العاشرة والتي ستنعقد في يونيو المقبل،أثره البالغ على الساحة السياسية الإيرانية،فقد أعلن في بيان رسمي يوم 16/3/2009 أمام اللجنة الشبابية المؤيدة له في حملته الإنتخابية،أنه قد فرر سحب ترشيحه من الإنتخابات الرئاسية.وذلك حتى يمنع تشتت الأصوات الممكن الحدوث نتيجة لتعدد المرشحين من الإتجاه الإصلاحي.ولاتفوتنا الإشارة للدور السياسي الذي لعبه خاتمى على مدار تاريخه.
فهو الرئيس الخامس للجمهورية الإيرانية لدورتين متتاليتين (1997 ـ 2005) ،كانت له نشاطات معارضة لنظام الشاه،حيث بدأ نشاطه السياسي في إتحاد الطلبة المسلمين في جامعة أصفهان وعمل بالقرب من أحمد الخوميني ابن الإمام الخوميني، وترأس مركز هامبورج للدراسات الإسلامية ،وبعد قيام الثورة الإسلامية دخل البرلمان في دورته الأولى 1980، ممثلاً عن مقاطعة (اردكان) مسقط رأسه،وعين وزيراً للثقافه والإرشاد الإسلامي 1982، من ِقبّل الخوميني.وفي أثناء الحرب العراقية تولى عدة مناصب أهمها،نائب رئيس القيادة المشتركة للقوات المسلحة،ورئيس قيادة الحرب الدعائية.ومستشاراً لرئيس الجمهورية (هاشمي رفسنجاني) (1992) وذلك بعد إستقالته من منصب وزير الثقافة في عهده نتيجه لأسلوبه المغاير في التعامل مع المعارضة.وفي الإنتخابات الإيرانية عام(1997) نال نسبة 70% من الأصوات أي حوالي (20 مليون صوت أغلبهم من النساء والشباب).وفي فترة رئاسته استطاع أن يُغير من صورة إيران أمام المجتمع الدولي،وأسس للحركات الإصلاحية والتي تهدف إلى تعديل الأوضاع الأصولية المتشددة التي تحكم إيران.أي أن لخاتمي تاريخه الكافي الذي من الممكن أن يجعله منافساً لايستهان به أمام (نجاد) الرئيس الحالي لإيران والذي من المؤكد أنه سيرشح نفسه لفترة رئاسية ثانية (وذلك تبعاً لتصريح (ثمره هاشمي) مستشار رئيس الجمهوية لوكالة (شفاف) الإخبارية 16/3/2009 على إثر بيان خاتمي).
صرح خاتمي في بيانه أن هدفه الأول هو (أن النزعة الأخلاقية لابد وأن تسود على امتلاك القوة)،فلا يصح أن يشكل وجوده ضرراً بالمصالح الإيرانية ولا التوجهات الإصلاحية فهو يشجع أن تتوحد الأصوات على شخصية إصلاحية واحدة ( ومن أهم المتقدمين من هذا الإتجاه مير حسين موسوي رئيس مجلس الوزراء (1981 ـ 1988) أي طوال فترة الحرب العراقية حتى تم إلغاء هذا المنصب طبقاً لتعديل دستوري فأصبح هو آخر رئيس وزراء لإيران كما عمل كمستشار لخاتمي طوال فترة رئاسته للجمهورية ومصنف تبعاً للإتجاه الإصلاحي المعتدل،ومهدي كروبي رئيس مجلس الشورى الإيراني الأسبق)،وقد تنازل خاتمي عن ترشيحه لصالح (مير حسين موسوي)،بحيث يرى أنه يتسم بالأخلاق الجيدة والشعبية بل والرضا من الجانب الأصولي المسيطر الأن،وإذا كان الهدف من الإنتخابات هو الفوز ـ حسب تعبيره ـ فمير حسين هو القادر على هذا بلا منازع(خاصة إذا وضعنا تاريخه في الحرب العراقية في الإعتبار).كما صرح خاتمي أنه قد تلقى طالبات كثير من الإصلاحيين بالانسحاب وبالتالي هو سيقف على حدود الدعم للمرشح الرئاسي الجديد.وفي المقابل أرسل موسوي رسالة إلى خاتمي،يخبره فيها بتأثره الشديد لهذا القرار،وأنه تشرف بالعمل معه أثناء فترة رئاسته،وأن الإصلاح لن يتأتى إلا بالعودة للأصول،وأنه سيواصل مسيرة خاتمي الإصلاحية.
وفي رأي الإصلاحيين مثل (دكتور محسن مير دامادي)(رئيس جبهة المشاركة الإسلامية)(جريدة نوروز 17/3/2009)،أن إنسحاب خاتمي سيحبط عملية الإصلاح من أساسها،وأن (مير حسين) لن يتمكن من تحقيق ما يمكن أن يحققه خاتمي لو وصل للرئاسة.في حين يرى الإتجاه المحافظ أن هذا يعكس عدم إتفاق على أسماء المرشحين في الجبهة الإصلاحية وبالتالي يشير إلى تشتت الجبهة بشكل عام.كما نشرت وكالة أنباء (BBC)(16/3/2009)،أن الانسحاب سيترك نجاد أقوى برغم الأزمات الإقتصادية والدولية الذي أوقع بها إيران خلال فترة رئاسته.(خاصة إذا علمنا أن هناك خلاف بين علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) وبين نجاد على الميزانية المقدمة لمجلس الشورى لبحثها والموافقة عليها، وقد يعود ذلك أيضاً لقرب فترة الإنتخابات الرئاسية فعلي لاريجاني من ضمن الأسماء المرشحه لهذا المنصب).
على كل،فإن انسحاب خاتمي قبل بداية المعركة الفعلية،لابد وأن سبقه تسوية ما،فهل تأكد خاتمي من خسارته أمام نجاد فأجل المعركة للفترة التالية؟،خاصة لقرب نجاد من المرشد العام،حتى وإن كان بعيداً عن النخبة،فله حضور لا يستهان به أيضاً في الأوساط الشعبية ذات النسبة الأعلى بالطبع.أم هل الأزمة داخلية بالفعل داخل الإتجاه الإصلاحي وفقدان خاتمي السيطرة على الوضع بشكل عام؟ولكن من المؤكد أن انسحابه يعد انحصار فعلي للتيار الإصلاحي في إيران والتأكيد على سطوة المحافظين على الأقل في الفترة القادمة.
وكما بكى خاتمي لدى نجاحه في فترة الرئاسة الثانية،فحيرت دموعه الكثيرين، أبكى كل من عاش حلم الإصلاح في بلاده يوم انسحابه، ويبقى التساؤل،ماذا كان سيقدم خاتمي لإيران لو لم ينسحب؟!

الثلاثاء، 24 مارس 2009

ولاية الفقيه والدولة الدينية في إيران

كان قيام الثورة الإيرانية(1979) مسبوق بالعديد من المبادئ النظرية التي تُعد مفصليات حقيقية في تطور الفكر الشيعي في إطار الممارسة السياسية،أهمها على الاطلاق مبدأ (ولاية الفقيه)،تناولنا في المقالة السابقة العلاقة بين مبدأ الولاية والإمامة،وإشكالية غيبة الإمام الأخير واعتماد الفقهاء بوصفهم أولياء على الخلق لحين عودة المهدي ثانية،أي الأسس التاريخية لتبادل دور الوصاية على الناس من ولاية إمام لولاية فقيه.ولكن ما علاقة مبدأ الولاية بالدولة الدينية المفترضة والمتحققة في إيران؟.
الهدف الديني خاصة المذهبي الشيعي من إقامة دولة هو تطبيق القانون الإلهي أو التشريع على المجتمعات التي تعيش قي ظل هذا الحلم ـ المنزوعة الإرادة والوصاية منذ البداية بالطبع ـ فكان صراع الأئمة الشيعة وغيرهم في المذاهب الأخرى بناء مجتمع يأتي ترتيب الحريات الفردية والمجتمعية فيه تحت تصوراتهم هم فقط عن صالح الإنسانية من منظورهم الخاص.وأصبح الخلاف في الفكر الشيعي بعد غياب الإمام على الولاية المطلقة للفقيه على الأمة،أي أنه له نفس صلاحيات الإمام المطلقة والتي هي متوارثة بالطبع من ولاية النبي المطلقة ـ حسب النظرية الشيعية ـ أم أن ولاية الفقيه تلك محدودة أي لايملك كل السلطات والصلاحيات المطلقة على المجتمع في كل شئونه.وكانت إجابة هذا التساؤل مؤسسة لنظرية أخرى خاصة بإقامة الدولة الدينية.
فهل يصح بناء دولة دينية في ظل غيبة الإمام أي بولاية الفقيه فقط،أم لابد من إنتظار المهدي لتحقق الحلم؟،اتجاه رآى أنه لا ولاية لأحد على الناس ـ خاصة المطلقة منهاـ طالما الإمام ما زال غائباً،والأفضل هو الإنتظار لحين عودته والتزام مبدأ التَقيّة ـ أي أن يكون الظاهر غير الباطن فمن الممكن أن يماري الإنسان السلطان الجائر ويكون على دينه ويُبطن ما يعتقده وهذا المبدأ متسق كذلك من الطبيعة الفلسفية للتشيع فلكل ظاهر باطن ولكل باطن ظاهر وليس بالضرورة أن يؤدي أحدهم للأخر ـ هذا من جانب.ومن جانب أخر أكد الإتجاه الثاني على ضرورة إقامة الدولة الدينية وأن الفقيه لدية القدرة على إقامتها بشرط معرفته بكافة احتياجات المجتمع ليس فقط على المستوى الديني ولكن في كل المجالات الإقتصادية والعسكرية وغيرها ويكون باب الإجتهاد مفتوح حتى يسع تطورات المجتمعات،ولكن في النهاية هو صاحب السلطان المطلق ،وذلك متسقاً مع وجود دولة قوية صالحة لإستقبال المهدي حال عودته.
ثم جاء الخوميني الذي تبنى الإتجاه الأخر على مستوى الممارسة الفعلية فمنذ عام 1969 وهو يؤسس لهذه الممارسة،حتى بعد نفية ـ من قِبل نظام الشاه ـ من إيران للنجف في العراق وتركيا حتى باريس،وهو يؤكد أن ولاية الفقية مطلقة لا مساس بها،وأنها مستجلبة من ولاية الإمام،بل أنه يمد الخيط لآخره حتى العهد النبوي فالنبي لم يكن فقط مشرّعاً وإنما مطبقاً ومنفذاً،كما أن هدف الخلافة من بعده ليست إلا تطبيق تلك الأحكام الدينية التي اكتملت في عهده،وكذا هو دور الأئمة،فمن البديهي أن يكون للفقيه نفس هذا الدور بوصفه الأكثر علماً وفقهاً.والدولة لدى الخوميني دولة تنفيذية أي قائمة على تنفيذ شرع الله،أي لا تنقسم الدولة إلى تشريعية وتنفيذية،فالتشريع قائم ومكتمل كل ما ينقصه هو التنفيذ فقط،والولي الفقيه هو المسئول عن ذلك لا غيره. فكما قال :"الفقهاء هم الحكام الحقيقيون والسلطة حق واجب لهم ولا يجوز لغيرهم منافستهم في هذا الأمر"، ويشترط في الفقيه الكمال الأخلاقي والإعتقادي.(ولا أدري ما هي الكيفية التي سنحاكم بها هذا الشرط سوى مبدأ الإنتقائية والهوى في اختيار الفقيه)،والسلطة لديه لا تتبع مبدأ الأغلبية أو ديموقراطية الأكثرية كما في المجتمع المدني،وإلا فإن الأقلية ستظل معرضة لظلم الأكثرية،فالأحكم هو تطبيق الشرع فقط دون النظر لغيره.أي نفي كل اعتبار للسلطة الشعبية.فالفقيه من وجة نظره ليس رئيساً أو أو قائداً،بل أهم إنه المرشد الأعلى الموجه الأسمى لكل شئ.
فالدولة الدينية الإيرانية بتجليتها الخومينية أُسست بناءاً على سلطة الفقيه المطلقة ورؤيته الدينية الخاصة به فقط والمطبقة على الجميع بلا إستثناء،فهو الأعلم بمصالح الأمة القاصرة حتى عن الوعي بمصالحها، مما ولد بعض الإتجاهات المعارضة.
(جريدة صوت البلد)

إيران بين الديمقراطية وسلطة الفقيه

ورد في نص الدستور الإيراني المستفتى عليه عام (1979) أي بعد عودة الخوميني من منفاه وقيام الدولة الإسلامية في إيران،في مادته الخامسه أنه ( في زمن غيبة الإمام المهدي تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتّقي،‌ البصير بأمور العصر،‌ القادر على الإدارة)، وقد حددّنا فيما سبق المفهوم المذهبي للفقيه وولايته المطلقة في نظرية الخوميني، ولكن يبقى التساؤل،هل يمكن أن توجد مفاهيم عن الديمقراطية في إيران فضلاً عن تطورها في ظل ولاية الفقيه وسلطته؟،أي هل من الممكن أن تتطور مفاهيم المجتمع المدني وحرياته في ظل الحكومة الدينية؟।
فإذا وضعنا في الاعتبار أن مفهوم الديمقراطية في نشأته الغربية قام في جانب منه ضد الحكم الديني الكنسي وفردية التوجه في بناء المجتمعات، بل وعجز المسيحية عن تقديم حلول مباشرة ومقنعة عن تطور الحياة الإنسانية والحريات الفردية خارج الإطار الديني أو داخله . وأن مصطلح الديمقراطية مأخوذ من الكلمة اللاتينية (Democratia)،والمكون من شقين (Demos) ويعني الناس أو الشعب و (Kratos) بمعنى القيادة أو الحكومة،أي حكم الشعب،بمعنى أن يكون الشعب حاكماً لذاته بذاته في بناء المجتمع .ولست أحاول هنا المقارنة بين تجربتين مجتمعيتين في سياق تاريخي وديني منفصل تماماً.ولكن من الملاحظ أن تلك التساؤلات تطرح نفسها دائماً في ظل وجود السلطة الدينية على اختلاف أشكالها.
فمن ضمن المفاهيم المطروحة بالفعل على الساحة الإيرانية منذ عقود وإلى الأن،العلاقة بين الديمقراطية ـ والتي أصطلح على تسميتها الإيرانية (مردم سلاري) وهي تعني بالفارسية (القيادة الشعبية) والمشتقة من نفس التركيب اللاتيني وتؤدي نفس الدلالة ـ وبين ولاية الفقيه،وهل هناك إمكانية لتحديد تلك السلطة المطلقة،وما الدور المنوط بالناس القيام به في ظله المستمد من الله مباشرة.فالسلطات الممنوحة له كفرد تفوق سلطة المجتمع الإيراني ذاته على ذاته،فهو المنسق العام للسياسات العليا للدولة،وهو القائد العام للقوات المسلحة،والقادر حتى على تنصيب رئيس الجمهورية (الذي يُعتَبر الرجل الثاني في الدولة) بعد انتخابه من قبل الشعب (أي أن موافقته تأتي في النهاية على اختيار الشعب)،والعديد من المسؤوليات الجسام ولا يحق لأحد من كان معارضته أو رد قرارته.
فالفرد يظل تحت الوصاية المطلقة لسلطة الفقيه،بوصفه فاقد الأهلية،ولا يجوز له الاعتراض أو إبداء الرأي بأي شكل في شخص الولي الفقيه أو إدارته،لكل حقوقه تنحصر في الطاعة المطلقة.كما أن عزل الفقيه لا يتم من قبل الناس وإنما من قبل الفقيه ذاته إذا لاحظ في نفسه أنه افتقد شرطاً من شروط لعدالة الشرعية، فلا يملك أي بشري محاكمته فهو مسؤول أمام الله فقط عن أفعاله.حتى أن الدستور ذاته وما تبعه من قوانين لا يمثل سلطة فوقية على الفقيه بل العكس،الدستور ذاته قد اكتسب شرعيته من خلاله،فكل السلطات التشريعية والتنفيذية (والتي منها رئيس الجمهورية) تحت سلطته المطلقة ولا يمثل وجودها أي استقلال عن حاكميته المستمدة من السلطة الدينية أي الإلهية المباشرة.
فمن البديهي أن الديمقراطية لا تمت بصلة إلى مفهوم الولاية كما تطرحه المنظومة الفكرية الإيرانية،والشيعية بشكل عام.فمن أسس الديمقراطية الحرية الفردية،الحق في اختيار الحاكم أياً كان شكله، التدرج الطبيعي من شعب ينتج نظم وقوانين وقيادات تمثله( لا العكس) ،المساواة المطلقة لكل الإتجاهات المعارض منها والمؤيد،وليس تحديد فئة واحدة قادرة على الحكم وهم الفقهاء دون غيرهم،وكذلك الاستقلال الواجب بين السلطات الممثلة للدولة،في حين أن السلطات كلها نابعة من الفردية المطلقة في إيران.
وبالتالي لابد أن نجد المؤيدين لولاية الفقيه المطلقة يعتبرون أن الديمقراطية غير ذات جدوى،بل أنها غير مفيدة لتطور المجتمع،فالناس لا يملكون سوى الطاعة المطلقة لأوليائهم الشرعيين والتبعية الكاملة لأوامرهم.وإلا تسبب ذلك في إنهيار وفساد المجتمع.
وفي النهاية نلاحظ أن هناك تعارضاً جلياً بين الأسس البديهية للديمقراطية وبين نظرية ولاية الفقيه وممارستها الاجتماعية في إيران،وحسب وجهة نظري أن هذا التعارض لافكاك منه في المجتمع الإيراني أو في أي مجتمع قرر إلغاء ذاتيته والسعي وراء عدالة الدولة الدينية فطالما إنتقل الدين إلى حيز الرؤى الشخصية والتطبيقات السياسية إلا وفقد طبيعته الأصيلة وتحول إلى فردية مطلقة تستمد سلطتها من نظرتها الخاصة والخاصة فقط عن الدين.
( جريدة صوت البلد)

الخميس، 19 مارس 2009

المد الثوري والمد الشيعي

من البديهي بل من الضروري أحياناً تصدير التجارب الثورية الممتزجة بالمعاناة التاريخية للمجتمعات،لكن من المستحبل أن تُنتَج ثورة نقية خالية من كل انتماء أيدلوجي (سياسي أو ديني)،تهدف إلى الحرية الكاملة الملتزمة لصنع حضارة إنسانية مكتملة الملامح والأسس،فالثورات نتاج حراك إجتماعي لكل طبقات المجتمع وطوائفة،ولكن دائماً ما تطل إشكالية التيار الواحد والمستفيد الأوحد من كل مرحلة من مراحل التغيرات الاجتماعية في ظل البناءات الثورية الجديدة،ويتحول التيار من مجرد مشارك مهماً كان دوره إلى الناطق الرسمي بل والمُقيّم للتجربة صاحب الحق الوحيد في التعامل مع كل وجهات النظر المعارضة أو حتى البديلة.
فالعدل والحرية والمساواة في الثورة الفرنسية يمتزجون بدماء النبلاء والمعارضين،والثورة البلشفية تكتسح العالم بمفاهيمها وأعلامها الحمراء والنخبوية وآلة القمع السياسي والعسكري لكل الإتجاهات المعارضة على مدار تاريخها،وصولاً للثورة الكمالية في تركيا التي صدّرت تطبيقها للفكر العالماني ملوحة بشعارات تبدوا بناءة للمجتمع المدني،فتحول المجتمع لفصام كامل من ديني الوجهه لاديني التوجه،حتى الثورة المصرية ونزعتها القومية وتأثيرها على العديد من البلدان العربية وغيرها حتى إيران ذاتها قبل العهد الثوري ومرحلة (مصدق) في إيران وتأميم البترول ثم فشلها،إلا أن الطابع الثوري المصري بكل ما اتسم به من فردية تبدوا كملامح الديكتاتورية،جعلت المد الثوري المصري ذا مسالب كبيرة على كل من حاول تطبيقها.فكل تلك الثورات ذات طابع نخبوي إنتقائي خالية من كل المضامين الثورية المعلنة منذ البداية.ولست أحاول هنا توحيد الخطاب بين كل الإتجاهات والتجارب الثورية العالمية،ولكني هنا في محاولة للحديث عن البنية الإنسانية المتطلعة دائماً لحرية أسطورية،والمواجهة بإحباط كامل.
والثورة الإيرانية لا تختلف من هذا المنظور عن غيرها من الثورات،فالهدف الأول المعلن دائماً دفع مظالم العهد الملكي،إعادة توزيع الثورات،الحد من كثرة التدخلات الأجنبية في الإستفادة من الموارد الطبيعية والإقتصادية الإيرانية.اعتمدت الثورة في قيامها على كل الطبقات الشعبية بمختلف الطوائف الاجتماعية،على رأسها اتجاهين أحدهما الاتجاه الماركسي المتمثل في حزب " توده "،ثانيها الحوزات الدينية،بالإضافة إلى كل الوجهات الثقافية الممثلة لكافة التوجهات داخل المجتمع الإيراني وبعد تاريخ طويل من الصراع مع السلطة الملكية وصل أحياناً إلى حد الصدامات الدموية،عانى منها كل فئات الشعب الإيراني.اعتلى التيار الديني بالتدريج أحياناً وبالتبعيد أحياناً الحياة السياسية الإيرانية،وعمل على نفي كل الإتجاهات المعارضة له.وتجسد الخوميني كرمز كلي للثورة مع تفريغ كل الرموز الثورية الأخرى من مضمونها.ولدى عودة الخوميني من منفاه في باريس بعد طرد الشاه،حُملت سيارته وهو داخلها على الأعناق.وأخذت الثورة الإيرانية بعدها اتجاهين غاية في الأهمية،الأول:نقل الفكر الثوري وتصديره في رداءه الإسلامي والصدام إن أستدعى الأمر (حرب الخليج الأولى مثلاً)،والثاني:التصفيات الداخلية وبأشكال متعددة لكل الآراء المعارضة من ماركسية أو ليبرالية ليست على وفاق مع النظام في كل ما يعتقد.
واستفاد المد الثوري الإيراني من نفس المساحات المستغلة من قبل كل الاتجاهات السياسية في المنطقة،فكانت المعارضة الدينية في الجزاير،وحزب الله في الصدام اللبناني الإسرائيلي،وحماس في فلسطين، مع دعم لكل أشكال معارضة الأنظمة في المنطقة،فالشكل الثوري لابد أن يكون إسلامياً (سني أو شيعي لا يهم) المهم أن تضمن طوال الوقت الأرضية الشعبية،خاصة مع إخفاق الحكومات القائمة على ملئ الفراغ السياسي الذي خلفته النظم الثورية القديمة،فكل المحاولات للتغير كانت على مستوى شكل الممارسة فقط.
إلا أن المد الثوري الإيراني لا يتلازم بالضرورة مع المد الشيعي أو محاولة تشيع المنطقة،وذلك لعدة أسباب،أولها/أن إيران متشيعة منذ البداية لا من بداية الثورة فحسب فما الحاجة الآن لنشر التشيع.ثانياً/إن التشيع منتشر بالفعل في المنطقة منذ قرون،فمعظم دول الخليج بها أغلبية شيعية،كما أن العديد من مراجع التقليد في المذهب الشيعي في لبنان (جبل عامل مثلاً)،والنجف بالعراق.ثالثاً/إن أكثر الاتجاهات ميلاً للتشيع في العالم الإسلامي هي الجماعات الصوفية،وهي ذات صلة وثيقة بكل التيارات الشيعية داخل إيران وخارجها.بل إن هناك تاريخ للتشيع لا بأس به في مصر على مدار التاريخ.
وفي النهاية لا أُبرئ الثورة الإيرانية من استغلال الطابع الديني في نشر الفكر الثوري الحركي،ولكنه لا يخرج عن كونه مجرد إستغلال،فالثورة الإيرانية تبدوا للوهلة الأولى لحظة نقية من التاريخ مثالية كما بدت كل الثورات،ولكن كما غيرها أيضاً أصبح لديها رصيد طويل من القمع ووحدوية الرؤية لم تعد صالحه معه للتصدير،وإن كان هناك ثمّة استهلاك فلا يتعدى الاستهلاك اليومي على صفحات الجرائد والأبحاث.
(جريدة صوت البلد)

الثلاثاء، 17 مارس 2009

الجمهورية الإيرانية وحماس


ذكرت جريدة (اطلاعات) الإيرانية الصادرة في( 1 فبراير 2009)،أن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس في زيارة لإيران مع وفد من الحركة ،حاملاً رسالة شكر لإيران حكومةً وشعباً على الدعم الذي لمسته حماس من الجانب الإيراني أثناء الحرب على غزة.وأنه سوف يلتقى بالقائد الأعلى للثورة الإيرانية (على خامنئي) ورئيس الجمهورية (أحمدي نجاد)،ومن المقرر أنه سيلتقي بالطلاب في جامعة تهران.هنا ينتهي الخبر ليكون مفتتح لتساؤلات عدة.
بالطبع لم تكن تلك هي الزيارة الأولى لإيران من قبل حماس،فمنذ نجاح حماس في الإنتخابات الفسطينية الأخيرة،هنأت الحكومة الإيرانية رسمياً وصول حماس إلى السلطة كداعمة للمقاومة الإسلامية في المنطقة،بل أن (علي خامنئي) أعلن أن إيران سوف تدعم حماس مادياً نتيجه لتجميد أموالها من قبل إسرائيل.وأثناء فترة الحصار الإسرائيلي لغزة أعلن (هشمي رفسانجاني) رئيس مجلس تحديد مصلحة النظام ورئيس الجمهورية الأسبق ـ أثناء زيارة خالد مشعل لإيران ـ (أن غزة هي الساحة الحقيقية للجهاد الإسلامي).وفي أثناء نفس الزيارة صرح (نجاد) بعد إشادته بدور حماس،(أن إيران ستكون الداعمة للأمة الفلسطينية المنكوبة).ولا ندري أي شكل من أشكال الدعم أراده نجاد،لكن من المؤكد أنه دعم لحماس فقط وليست للأمة الفلسطينية كما أعلن،بدليل الحرب الإسرائيلية على غزة فيما بعد.
المحير في الأمر ليس الدور الإيراني في الإنتقائية السياسية لحماس من دون غيرها في فلسطين،ولكن التساؤل هنا عن الدور الذي تلعبه حماس مع إيران،فمنذ إعلان حماس الرسمي (1987)،لم يكن لإيران أي حضور يُذكر،بل أن زعماء الحركة (ياسين ،الرنتيسي،...وغيرهم)،لم يلتقوا بأي من الزعماء الإيرانيين في ظل الحضور الطاغي لإيران أثناء حرب الخليج الأولى.والمعلوم بالبديهة أن حماس هي إعادة صياغة للإخوان المسلمين،والدعم الذي تتلقاه من أنظمة عربية تدعم التوجهات الإسلامية السياسية في المنطقة.وذلك إذا أضفنا البعد المذهبي في القضية،فحماس ليست حزب الله الشيعي ذا البناء والبنية الإيرانية.خاصة مع وجود جماعة (الجهاد الإسلامي) ذات التوجهات الإيرانية الصريحة ،أي أن هناك تواجد إيراني ملحوظ في فلسطين.فما الحاجة لكل هذا الدعم الإيراني لحماس؟.
هل تكون الإجابة لدى جماعة الإخوان،ذات العلاقات التي من الممكن أن توصف بالجيدة بالنظام الإيراني وبرموز التشيع في الشرق الأوسط ،فلدى قيام الثورة الإيرانية (1979)،كان تعليق أبو الأعلى المودودي (مجلة الدعوة العدد19 \1979)،أن على جميع المسلمين تأييد هذه الثورة بكل الأشكال.ومن وجهة نظر إيرانية (د.عباس خامه يار)(مدير مركز الأبحاث والعلاقات الثقافية الإيرانية) في كتابه (إيران والإخوان المسلمين)،يؤكد أن الذي يجمع بين كلا الاتجاهين هو الفكر الوحدوي المتجسد في هدف كلاهما تثبيت الإسلام كنظام للحكم،ونجاح إيران في تحقيق الهدف وسعي الإخوان لذلك،رغم بعض الخلافات الناتجة عن إنتماء الإخوان أحياناً للدعاوي الوهابية ضد إيران والتشيع بصفة عامة.هذا إذا وضعنا في الاعتبار موقف إخوان الأردن من الثورة الإيرانية ودعمها لكل أنشطة المد الثوري في عهد الخوميني وبعده.
وكذلك موقف الإخوان السلبي تجاه أحد رجالاتهم (القرضاوي) إذاء تصريحاته ضد المد الشيعي وإيران.مما يؤكد أن العلاقة التي تجمع بين الثلاثة جهات (حماس وإيران والإخوان)،علاقة تحكمها المصالح الأيدلوجية العامة بعيداً عن التفاصيل الدينية،فحماس هي بؤرة الحركة لكلا الشكلين،فهي مساحة تفريغ جيدة للأموال العربية الإخوانية وللعناصر التي تجسد الإتجاه الحركي بعد الهدوء النسبي الذي اعترى شكل الإخوان في مصر وغيرها من البلدان. كما أنها هي حلقة الوصل الحقيقية بين النظام الإيراني وجماعة الإخوان.
وعلى الجانب الإيراني تُعد حماس هي اللاعب الأهم في القضية الفلسطينية ،تلك القضية التي تتلاعب بها إيران على كافة الأوجه الخارجية والداخلية،فيكون الدعم أسلحة إيرانية تساهم في مزيد من الاشتعال في المنطقة بشكل عام تحت لافتة مقاومة الاحتلال،بل لا يمكن تبريئ إيران وحماس من دورهما في تفعيل أزمة غزة।حتى يتسق ذلك وزحزحة الأزمات الإيرانية (الداخلية والخارجية) خارج حدودها مع إحراج لكل النظم العربية المسؤولة عن الملف الفلسطيني.وتظل حماس تعلن وبشكل دائم أن الحرب على غزة لم تمس المقاومة وأنها لن توقف إطلاق النار ما دام هناك وجود لإسرائيل _ كما صرح خالد مشعل في لقاءه الأخير مع خامنئي ـ مما يؤكد أن مصلحة كل الأطراف أن تظل الأزمة مشتعلة وبهذا الشكل المطروح فقط لخدمة توجهات جميع التيارات الإسلامية في المنطقة.
(صوت البلد)

نظام الحكم في الجمهورية الإيرانية1

مرت على إيران العديد من الفترات التاريخية التي وصلت خلالها لقمة السيطرة الحضارية على العالم القديم،من أهمها مرحلة الدولة (الأكمينية ـ الهخامانشية) والتي حكمت خلال القرن الخامس والرابع قبل الميلاد،وتمثل هذه المرحلة بداية تكوين الدولة المدنية القائمة على أساس توسعي إمبراطوري،بحيث تم اخضاع لمناطق العراق القديم وصولاً لليونان ومصر،وكانت بداية تكوين جيش مركزي وحكومة قائمة على أساس قبلي متميز،فهناك قبيلة واحدة متمتعة بفكرة الدم الملكي والتي انحدر منها (قورش) وصولاً (لدارا ـ داريوش ) .ثم تأتي مرحلة الدولة الساسانية بعد فترة الحكم اليوناني لفارس على يد الاسكندر المقدوني،فكانت بمثابة إحياء للقومية الفارسية ونظم الحكم القديم والعودة لفكرة الحكم الملكي المطلق،واستمرت هذه الحقبة منذ القرن الثاني الميلادي وصولاً للحكم العربي بعد الإسلام.
أهم ما يُميز الدولة الساسانية فكرة الحكم المطلق للملك وكذلك اختيار الديانة الزرادشتية كديانة رسمية للبلاد،واستمرار فكرة التقسيم الطبقي بداية بطبقة الملوك (الشاهنشاهية)،ثم طبقة رجال الدين،وطبقة رجال الحرب والجيش،ثم الكتاب والموظفين،وفي النهاية الشعب والفلاحين.وهذه الطبقات محاصرة بالمفاهيم الاجتماعية والقبيلية مما يستحيل تغير الوضع الطبقي للفرد طالما هو منتمي لقبيلة بعينها عن غيرها،ذلك المفهوم القبلي الذي تتطور لمفهوم الأسرات العظيمة بعد ذلك.وهذا لا يمنع أن يُعين الملك بمطلق حريته من يراه مناسباً لأي منصب كان،فهناك كبير الوزراء،وقائد الجيش،غير أن كبير الموابدة معين من قبل رجال الدين الزرادشتي وهو المسؤول عن كل القضايا الدينية في البلاد فهو المرشد الروحي للملك وله سلطانه المنفصل إلى حد ما عن سلطة الملك.أي أن الدولة الدينية لا غنى عنها في العقل الاجتماعي الإيراني مهما تطورت أو تغيرت الديانات،وكذلك فكرة سمو طبقة عن أخرى وإطلاقية الحكم لفئة ما عن باقي الشعب،والذي تنحصر مهمته في الأعمال الدنيا وتوفير الضرائب على هذه الأعمال.
واستمرت تلك الأسس في إيران الحديثة وصولاً للدولة القاجارية (1795م) وحتى الدولة البهلوية (1921م) وصولاً للجمهورية الإيرانية (1979م)،فطوال التاريخ الإيراني ونظم الحكم معتمدة على شقين الأول الملكية بإطلاقها المقدس،ورجال الدين ونفوذهم وإرشادهم الروحي سواء هذا الإرشاد أو السطوة الدينية زرادشتية أو مذهبية شيعية.ولكن المميز للجمهورية الإيرانية هو الجمع بين الشقين قي ظل ولاية الفقيه والتي ناقشنا جذورها الاعتقادية والقكرية في الأعداد السابقة من (صوت البلد).فهي تُعد التجلي السياسي لفكرة دولة المهدي والحكم الشرعي الإلهي الممتد من قداسة الأئمة في المذهب الشيعي.
أول مراكز السلطة في إيران هو (القائد) الذي نص الدستور على منحه كل السلطات الدينية والسياسية،أي الجمع بين كلا المستويين للسلطة،وينص الدستور في مادته (109) على أنه بعد وفاة الخوميني سيتم اختيار المرشد من قبل مجلس الخبراء على أساس الفقهية والأعلمية والقدرة على الإدراة المطلقة،وهذا الاختيار قاصر على هذا المجلس دون غيره ولا يحق للناس مراجعته.ويلي المرشد (مجلس القيادة) والذي يختاره المرشد أو القائد الأعلى وتكون مهمته القيام بأعمال المرشد حال موته أو عجزه،و للمرشد القدرة المطلقة على تعيين أو عزل كل من لا يراه مناسباً لمنصبه أو لتوجهات الدولة والدستور.وبعد وفاة الخوميني عام (1989)،تولى (علي خامنئي) منصب الإرشاد العام وما زال للأن.
يلي منصب المرشد تبعاً للدستور الإيراني الهيئة التنفيذية،والمجسدة في منصب الرئيس ومجلس الوزراء،والقوات المسلحة والحرس الثوري.والرئيس يلي المرشد العام وهو المسئول عن تنفيذ الدستور، ومدة حكمه لا تتجاوز فترتان متتاليتان كل فترة محددة بأربع سنوات.ويشترط فيه أن يكون بالطبع إبراني الجنسية،وأن يكون متديناً مؤمن ،مؤيد لكل توجهات الثورة وأسسها.أي أن الدين شرط مؤسس حتى لمن يلي المرشد.
والمسؤول عن اختيار رئيس الجمهورية ليس الشعب مستقل،بل يُعرض المرشحين على مجلس الأوصياء أو (مجلس صيانة الدستور) وهو مكون من 12 عضواً 6 منهم يختارهم المرشد العام،والباقي معينين من قبل مجلس الشورى،وهذا المجلس مسؤول بعد ذلك عن مراجعة دستورية قرارات مجلس الشورى،وتحييد الأسماء التي لا يراها مناسبة لرياسة الجمهورية.أي أن عناصر اللعبة ستظل بيد المرشد مهما بدا العكس.
وللرئيس معظم السلطات التنفيذية،وله الحق في تعيين الوزراء ورئيس مجلس الوزراء ولكن بعد عرض الأسماء المرشحة على مجلس الشورى (البرلمان) المنتخب من قبل الشعب،وللبرلمان حق سحب الثقة أو الموافقة من عدمها على أحد المرشحين،بالطبع بعد مراجعة قرارته من قبل مجلس صيانة الدستور،وبالتالي المرشد.
وللحديث بقية
(منشورة في جريدة صوت البلد )

نظام الحكم في الجمهورية الإيرانية 2

إن الهدف من قيام الثورات بشكل عام هو تغيير الوضع الاجتماعي والسياسي للمجتمعات التي هدفت الثورة،لإحقاق الحريات العامة والخاصة،لإفراز تغيرات جذرية في النظم الحاكمة للبناء المجتمعي بشتى أشكاله،وإلا لما كانت كل تلك الدماء التي أنتجتها الثورات على مدار التاريخ الإنساني!.ولكن من المؤكد أن الثورات لا تُحدث قطيعة كاملة عن السياق التاريخي الذي نتجت عنه،أي أن البنية التاريخية والاجتماعية يُعاد تشكلها ثانية تحت رداء نظام جديد يُسمى ثورة.
فيظل المرشد العام للثورة الإيرانية هو إعادة صياغة للحاكمية المطلقة المتسمة بالتقديس،ومهما بدا على مستوى السطح من الحريات المتجسدة مثلاً في انتخاب رئيس الجمهورية،إلا أنها تتم تحت مظلته في (مجلس صيانة الدستور) ـ كما أشرنا في المقالة السابقة ـ وهذا ينسحب على بقية السلطات التنفيذية المتمثلة في مجلس الوزراء،وفي حال عزل الرئيس أو موته يتولى مكانه نائبه الذي وافق عليه المرشد من قبل أو نائب يُعينه المرشد إذا لم يكن موجود،لحين عقد إنتخابات أخرى.
أما فيما يخص الجيش وقوات الحرس الثوري،فيشترط كما ورد في الدستور إسلامية الجيش ولا يحق لأصحاب الجنسيات المتعددة الالتحاق بالجيش أو قوات الحرس الثوري،وعلى قوات الحرس الثوري الاستمرار في القيام بحماية الثورة وإنجازاتها ( وهذا معنى فضفاض فالجيش مسؤول عن الدفاع عن الوطن وحماية الحدود وهذا واضح ولكن ما معنى الحفاظ على الانجازات الثورية علي يد الحرس الثوري وكأن هناك تعارضاً بين الوطن والثورة) ،فهناك اختلاف بين الجيش كمؤسسة عسكرية وبين الحرس الثوري المتكون أثناء قيام الثورة من قوات شعبية غير نظامية ثم تم وضع نُظم لها لتدخل تحت مظلة القوات النظامية بشكل عام،هذا التعارض قد نتناوله في سياق آخر عن المؤسسة العسكرية في إيران وتطورها.
أم فيما يخص السلطة التشريعية،فهي تنقسم إلى قسميين رئيسيين أولهما (مجلس الشورى)البرلمان، ويشترط في أعضاءه الإسلام العميق الصادق (ولا أدري كيفية الحكم على هذه النقطة!)،ويتم بواسطة الإنتخاب المباشر،بالتدرج الطبيعي بوجود مجالس إدارية صغيرة (تشبه المجالس المحلية) وصولاً للبرلمان. ومحجوز بالمجلس خمس مقاعد للأقليات غير المسلمة،فهناك مقعد لليهود،ومقعد للزادشتيين،وواحد للمسيحيين الآشوريين،وإثنين للمسيحيين الأرمن،من تعداد يصل إلى 290 مقعداً،ويُنظر في عدد المقاعد كل عشر سنوات حسب التغيرات الديموغرافية في إيران.نلاحظ أن الأساس في منح المقاعد تعتمد على المفاهيم الدينية والعرقية،أي ليس كل من هو داخل الحدود الإيرانية إيراني كامل المواطنة،بل تظل هناك أزمات الأقليات التي يعاني منها المجتمع الإيراني خاصة في ظل الدولة الدينية.
ومهام مجلس الشورى مناقشة خطط الحكومة،وكل الإتفاقيات الدولية والحدودية،مساءلة الحكومة وممثليها،وإمكانية سحب الثقة منهم،ولكن من المؤكد عدم مساءلة المرشد العام أو توجهاته،ومدة الدورة في مجلس الشورى لا تتعدى أربع سنوات.
ولكن تتم مراجعة كل قرارات المجلس من قبل مجلس صيانة الدستور،وهو الجانب التشريعي الآخر ومكون من (12) فرد يختار المرشد منهم 6، وغالباً ما يتم فض الاختلافات عن طريق المرشد في النهاية.
ثم تأتي السلطة القضائية،وهي ذات تقسيم يبدوا عكسياً،فوزير العدل معين من قبل رئيس الحمهورية ـ هذا منطقي ـ ولكن ليس للرئيس الحرية المطلقة فالذي اختاره يكون من قائمة معدة مسبقاً من قبل (رئيس الهيئة القضائية) وهو المعين مباشرة من قبل المرشد،بحيث يُعين شخص يُعرف بالعدالة والفقهية،فالقضاء سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية فقط،والغريب أنه من حق رئيس الهيئة القضائية محاسبة المرشد والرئيس عن أموالهم ولا أعلم كيف يمكن ذلك في ظل تعيين المرشد مباشرة له.وهذا يبدوا بديهياً في ظل دولة تؤمن أنه لا حاجة للقانون في ظل الشرع،فالقضاء مشرف على تنفيذ القانون الإلهي فقط.
ثم يأتي مجلس آخر مستحدث في تعديل الدستور عام 1989 وهو مجلس (تشخيص مصلحة النظام)، وهو مجلس مُعين من قِِبل المرشد مباشرة،مكون من 34 عضواً،دوره النظر في القضايا المثارة بين مجلس صيانة الدستور ومجلس الشورى،ويُعتبر دوره استشاري بالنسبة للمرشد وبالطبع ليست ملزمة له ومدته ثلاث سنوات.وهو القائم بمهام المرشد حال عجزه أو وفاته لحين اختيار المرشد الجديد.
وفي النهاية (المجلس الأعلى للأمن القمومي) ويرأسه رئيس الجمهورية،ومهامه تحديد المصالح الوطنية العليا بشكل نافذ بعد موافقة المرشد عيها بالطبع،وأهم أعضاءه القائد الأعلى للقوات المسلحة،رئيس الهيئة القضائية،ونواب عن المرشد يُعينهم المرشد.
هذا بشكل مختصر النظم المعقدة للحكم داخل إيران والتي تُعد التجلي النهائي لفكرة ولاية الفقيه، فهي دولة تعيين المرشد فقط ،ومن الممكن اختزالها أنها دولته المطلقة.

الثلاثاء، 10 مارس 2009

كتاب بعنوان (كربلاء بين الأسطورة والتاريخ دراسة في الوعي الشعبي الإيراني)

يناقش هذا الكتاب الأبعاد الفولكلورية والمذهبية التي احتوت موضوع مقتل الحسين ومدى ارتباطها بالوعي الأسطوري أي محاولة البحث عن البنية المؤسسة التي نبع منها الآلية الطقسية المتربطة بالقضية الحسينية في تجلياتها الإيرانية والشيعية بشكل عام ।وفصول الكتاب كالآتي:

أهم ما قيل عن كربلاء

مقدمة

المبحث الأول: (البنية الأسطورية لكربلاء في مصادرها التاريخية)

ـ أسس النزاع.

ـ المصادر الأصلية لتناول حادثة كربلاء.

ـ حادثة كربلاء كما وردت في المصادر التاريخية.

ـ رؤية إجمالية.

المبحث الثاني : (شخصية الحسين في النص الموازي(الحكاية الشعبية الإيرانية ))

ـ البناء الحكائي لنص الحادثة.

ـ الحكايات الشعبية للحسين.

ـ النظرة الشعبية لعلي بن أبي طالب.

المبحث الثالث: ( الأسطورة كأساس للوعي الشعبي الإيراني بكربلاء)

ـ النسق الأسطوري وكتابة التاريخ (رؤية تحليلية).

ـ عناصر تكوين الفرق الدينية والوعي الأسطوري.(الشيعة نموذجاً)

ـ الجذور الأسطورية للحكايات الحسينية.

المبحث الرابع: ( المسيرة والشبيه (دراسة في رمزيةالطقس العزائي))

ـ وظائف الشبيه (مسرح العزاء الإيراني) الأسطورية.

ـ مسيرة العزاء وعودة الإله المقتول.

المبحث الخامس: ( الشفاعة والولاية بين التجريد والتجسيد )

ـ زيارة العتبات المقدسة (النص والفعل).

ـ الولاية والشخصية المركزية.

المبحث السادسL)تجلي المقدس في شعر العزاء)

ـ التجسيد الشعري.

ـ الذنب بين المسيرة و الشعر.

ـ الشفاعة والزيارة في شعر العزاء.

ـ المفهوم الديني والنص الشعري.

ـ دراسة في أسطورية أشعار العزاء.

الخاتمه।

قائمة المصادر والمراجع

(الكتاب صادر عن دار رؤية للنشر،2009)