الثلاثاء، 24 مارس 2009

ولاية الفقيه والدولة الدينية في إيران

كان قيام الثورة الإيرانية(1979) مسبوق بالعديد من المبادئ النظرية التي تُعد مفصليات حقيقية في تطور الفكر الشيعي في إطار الممارسة السياسية،أهمها على الاطلاق مبدأ (ولاية الفقيه)،تناولنا في المقالة السابقة العلاقة بين مبدأ الولاية والإمامة،وإشكالية غيبة الإمام الأخير واعتماد الفقهاء بوصفهم أولياء على الخلق لحين عودة المهدي ثانية،أي الأسس التاريخية لتبادل دور الوصاية على الناس من ولاية إمام لولاية فقيه.ولكن ما علاقة مبدأ الولاية بالدولة الدينية المفترضة والمتحققة في إيران؟.
الهدف الديني خاصة المذهبي الشيعي من إقامة دولة هو تطبيق القانون الإلهي أو التشريع على المجتمعات التي تعيش قي ظل هذا الحلم ـ المنزوعة الإرادة والوصاية منذ البداية بالطبع ـ فكان صراع الأئمة الشيعة وغيرهم في المذاهب الأخرى بناء مجتمع يأتي ترتيب الحريات الفردية والمجتمعية فيه تحت تصوراتهم هم فقط عن صالح الإنسانية من منظورهم الخاص.وأصبح الخلاف في الفكر الشيعي بعد غياب الإمام على الولاية المطلقة للفقيه على الأمة،أي أنه له نفس صلاحيات الإمام المطلقة والتي هي متوارثة بالطبع من ولاية النبي المطلقة ـ حسب النظرية الشيعية ـ أم أن ولاية الفقيه تلك محدودة أي لايملك كل السلطات والصلاحيات المطلقة على المجتمع في كل شئونه.وكانت إجابة هذا التساؤل مؤسسة لنظرية أخرى خاصة بإقامة الدولة الدينية.
فهل يصح بناء دولة دينية في ظل غيبة الإمام أي بولاية الفقيه فقط،أم لابد من إنتظار المهدي لتحقق الحلم؟،اتجاه رآى أنه لا ولاية لأحد على الناس ـ خاصة المطلقة منهاـ طالما الإمام ما زال غائباً،والأفضل هو الإنتظار لحين عودته والتزام مبدأ التَقيّة ـ أي أن يكون الظاهر غير الباطن فمن الممكن أن يماري الإنسان السلطان الجائر ويكون على دينه ويُبطن ما يعتقده وهذا المبدأ متسق كذلك من الطبيعة الفلسفية للتشيع فلكل ظاهر باطن ولكل باطن ظاهر وليس بالضرورة أن يؤدي أحدهم للأخر ـ هذا من جانب.ومن جانب أخر أكد الإتجاه الثاني على ضرورة إقامة الدولة الدينية وأن الفقيه لدية القدرة على إقامتها بشرط معرفته بكافة احتياجات المجتمع ليس فقط على المستوى الديني ولكن في كل المجالات الإقتصادية والعسكرية وغيرها ويكون باب الإجتهاد مفتوح حتى يسع تطورات المجتمعات،ولكن في النهاية هو صاحب السلطان المطلق ،وذلك متسقاً مع وجود دولة قوية صالحة لإستقبال المهدي حال عودته.
ثم جاء الخوميني الذي تبنى الإتجاه الأخر على مستوى الممارسة الفعلية فمنذ عام 1969 وهو يؤسس لهذه الممارسة،حتى بعد نفية ـ من قِبل نظام الشاه ـ من إيران للنجف في العراق وتركيا حتى باريس،وهو يؤكد أن ولاية الفقية مطلقة لا مساس بها،وأنها مستجلبة من ولاية الإمام،بل أنه يمد الخيط لآخره حتى العهد النبوي فالنبي لم يكن فقط مشرّعاً وإنما مطبقاً ومنفذاً،كما أن هدف الخلافة من بعده ليست إلا تطبيق تلك الأحكام الدينية التي اكتملت في عهده،وكذا هو دور الأئمة،فمن البديهي أن يكون للفقيه نفس هذا الدور بوصفه الأكثر علماً وفقهاً.والدولة لدى الخوميني دولة تنفيذية أي قائمة على تنفيذ شرع الله،أي لا تنقسم الدولة إلى تشريعية وتنفيذية،فالتشريع قائم ومكتمل كل ما ينقصه هو التنفيذ فقط،والولي الفقيه هو المسئول عن ذلك لا غيره. فكما قال :"الفقهاء هم الحكام الحقيقيون والسلطة حق واجب لهم ولا يجوز لغيرهم منافستهم في هذا الأمر"، ويشترط في الفقيه الكمال الأخلاقي والإعتقادي.(ولا أدري ما هي الكيفية التي سنحاكم بها هذا الشرط سوى مبدأ الإنتقائية والهوى في اختيار الفقيه)،والسلطة لديه لا تتبع مبدأ الأغلبية أو ديموقراطية الأكثرية كما في المجتمع المدني،وإلا فإن الأقلية ستظل معرضة لظلم الأكثرية،فالأحكم هو تطبيق الشرع فقط دون النظر لغيره.أي نفي كل اعتبار للسلطة الشعبية.فالفقيه من وجة نظره ليس رئيساً أو أو قائداً،بل أهم إنه المرشد الأعلى الموجه الأسمى لكل شئ.
فالدولة الدينية الإيرانية بتجليتها الخومينية أُسست بناءاً على سلطة الفقيه المطلقة ورؤيته الدينية الخاصة به فقط والمطبقة على الجميع بلا إستثناء،فهو الأعلم بمصالح الأمة القاصرة حتى عن الوعي بمصالحها، مما ولد بعض الإتجاهات المعارضة.
(جريدة صوت البلد)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق