ورد في نص الدستور الإيراني المستفتى عليه عام (1979) أي بعد عودة الخوميني من منفاه وقيام الدولة الإسلامية في إيران،في مادته الخامسه أنه ( في زمن غيبة الإمام المهدي تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتّقي، البصير بأمور العصر، القادر على الإدارة)، وقد حددّنا فيما سبق المفهوم المذهبي للفقيه وولايته المطلقة في نظرية الخوميني، ولكن يبقى التساؤل،هل يمكن أن توجد مفاهيم عن الديمقراطية في إيران فضلاً عن تطورها في ظل ولاية الفقيه وسلطته؟،أي هل من الممكن أن تتطور مفاهيم المجتمع المدني وحرياته في ظل الحكومة الدينية؟।
فإذا وضعنا في الاعتبار أن مفهوم الديمقراطية في نشأته الغربية قام في جانب منه ضد الحكم الديني الكنسي وفردية التوجه في بناء المجتمعات، بل وعجز المسيحية عن تقديم حلول مباشرة ومقنعة عن تطور الحياة الإنسانية والحريات الفردية خارج الإطار الديني أو داخله . وأن مصطلح الديمقراطية مأخوذ من الكلمة اللاتينية (Democratia)،والمكون من شقين (Demos) ويعني الناس أو الشعب و (Kratos) بمعنى القيادة أو الحكومة،أي حكم الشعب،بمعنى أن يكون الشعب حاكماً لذاته بذاته في بناء المجتمع .ولست أحاول هنا المقارنة بين تجربتين مجتمعيتين في سياق تاريخي وديني منفصل تماماً.ولكن من الملاحظ أن تلك التساؤلات تطرح نفسها دائماً في ظل وجود السلطة الدينية على اختلاف أشكالها.
فمن ضمن المفاهيم المطروحة بالفعل على الساحة الإيرانية منذ عقود وإلى الأن،العلاقة بين الديمقراطية ـ والتي أصطلح على تسميتها الإيرانية (مردم سلاري) وهي تعني بالفارسية (القيادة الشعبية) والمشتقة من نفس التركيب اللاتيني وتؤدي نفس الدلالة ـ وبين ولاية الفقيه،وهل هناك إمكانية لتحديد تلك السلطة المطلقة،وما الدور المنوط بالناس القيام به في ظله المستمد من الله مباشرة.فالسلطات الممنوحة له كفرد تفوق سلطة المجتمع الإيراني ذاته على ذاته،فهو المنسق العام للسياسات العليا للدولة،وهو القائد العام للقوات المسلحة،والقادر حتى على تنصيب رئيس الجمهورية (الذي يُعتَبر الرجل الثاني في الدولة) بعد انتخابه من قبل الشعب (أي أن موافقته تأتي في النهاية على اختيار الشعب)،والعديد من المسؤوليات الجسام ولا يحق لأحد من كان معارضته أو رد قرارته.
فالفرد يظل تحت الوصاية المطلقة لسلطة الفقيه،بوصفه فاقد الأهلية،ولا يجوز له الاعتراض أو إبداء الرأي بأي شكل في شخص الولي الفقيه أو إدارته،لكل حقوقه تنحصر في الطاعة المطلقة.كما أن عزل الفقيه لا يتم من قبل الناس وإنما من قبل الفقيه ذاته إذا لاحظ في نفسه أنه افتقد شرطاً من شروط لعدالة الشرعية، فلا يملك أي بشري محاكمته فهو مسؤول أمام الله فقط عن أفعاله.حتى أن الدستور ذاته وما تبعه من قوانين لا يمثل سلطة فوقية على الفقيه بل العكس،الدستور ذاته قد اكتسب شرعيته من خلاله،فكل السلطات التشريعية والتنفيذية (والتي منها رئيس الجمهورية) تحت سلطته المطلقة ولا يمثل وجودها أي استقلال عن حاكميته المستمدة من السلطة الدينية أي الإلهية المباشرة.
فمن البديهي أن الديمقراطية لا تمت بصلة إلى مفهوم الولاية كما تطرحه المنظومة الفكرية الإيرانية،والشيعية بشكل عام.فمن أسس الديمقراطية الحرية الفردية،الحق في اختيار الحاكم أياً كان شكله، التدرج الطبيعي من شعب ينتج نظم وقوانين وقيادات تمثله( لا العكس) ،المساواة المطلقة لكل الإتجاهات المعارض منها والمؤيد،وليس تحديد فئة واحدة قادرة على الحكم وهم الفقهاء دون غيرهم،وكذلك الاستقلال الواجب بين السلطات الممثلة للدولة،في حين أن السلطات كلها نابعة من الفردية المطلقة في إيران.
وبالتالي لابد أن نجد المؤيدين لولاية الفقيه المطلقة يعتبرون أن الديمقراطية غير ذات جدوى،بل أنها غير مفيدة لتطور المجتمع،فالناس لا يملكون سوى الطاعة المطلقة لأوليائهم الشرعيين والتبعية الكاملة لأوامرهم.وإلا تسبب ذلك في إنهيار وفساد المجتمع.
وفي النهاية نلاحظ أن هناك تعارضاً جلياً بين الأسس البديهية للديمقراطية وبين نظرية ولاية الفقيه وممارستها الاجتماعية في إيران،وحسب وجهة نظري أن هذا التعارض لافكاك منه في المجتمع الإيراني أو في أي مجتمع قرر إلغاء ذاتيته والسعي وراء عدالة الدولة الدينية فطالما إنتقل الدين إلى حيز الرؤى الشخصية والتطبيقات السياسية إلا وفقد طبيعته الأصيلة وتحول إلى فردية مطلقة تستمد سلطتها من نظرتها الخاصة والخاصة فقط عن الدين.
( جريدة صوت البلد)
فإذا وضعنا في الاعتبار أن مفهوم الديمقراطية في نشأته الغربية قام في جانب منه ضد الحكم الديني الكنسي وفردية التوجه في بناء المجتمعات، بل وعجز المسيحية عن تقديم حلول مباشرة ومقنعة عن تطور الحياة الإنسانية والحريات الفردية خارج الإطار الديني أو داخله . وأن مصطلح الديمقراطية مأخوذ من الكلمة اللاتينية (Democratia)،والمكون من شقين (Demos) ويعني الناس أو الشعب و (Kratos) بمعنى القيادة أو الحكومة،أي حكم الشعب،بمعنى أن يكون الشعب حاكماً لذاته بذاته في بناء المجتمع .ولست أحاول هنا المقارنة بين تجربتين مجتمعيتين في سياق تاريخي وديني منفصل تماماً.ولكن من الملاحظ أن تلك التساؤلات تطرح نفسها دائماً في ظل وجود السلطة الدينية على اختلاف أشكالها.
فمن ضمن المفاهيم المطروحة بالفعل على الساحة الإيرانية منذ عقود وإلى الأن،العلاقة بين الديمقراطية ـ والتي أصطلح على تسميتها الإيرانية (مردم سلاري) وهي تعني بالفارسية (القيادة الشعبية) والمشتقة من نفس التركيب اللاتيني وتؤدي نفس الدلالة ـ وبين ولاية الفقيه،وهل هناك إمكانية لتحديد تلك السلطة المطلقة،وما الدور المنوط بالناس القيام به في ظله المستمد من الله مباشرة.فالسلطات الممنوحة له كفرد تفوق سلطة المجتمع الإيراني ذاته على ذاته،فهو المنسق العام للسياسات العليا للدولة،وهو القائد العام للقوات المسلحة،والقادر حتى على تنصيب رئيس الجمهورية (الذي يُعتَبر الرجل الثاني في الدولة) بعد انتخابه من قبل الشعب (أي أن موافقته تأتي في النهاية على اختيار الشعب)،والعديد من المسؤوليات الجسام ولا يحق لأحد من كان معارضته أو رد قرارته.
فالفرد يظل تحت الوصاية المطلقة لسلطة الفقيه،بوصفه فاقد الأهلية،ولا يجوز له الاعتراض أو إبداء الرأي بأي شكل في شخص الولي الفقيه أو إدارته،لكل حقوقه تنحصر في الطاعة المطلقة.كما أن عزل الفقيه لا يتم من قبل الناس وإنما من قبل الفقيه ذاته إذا لاحظ في نفسه أنه افتقد شرطاً من شروط لعدالة الشرعية، فلا يملك أي بشري محاكمته فهو مسؤول أمام الله فقط عن أفعاله.حتى أن الدستور ذاته وما تبعه من قوانين لا يمثل سلطة فوقية على الفقيه بل العكس،الدستور ذاته قد اكتسب شرعيته من خلاله،فكل السلطات التشريعية والتنفيذية (والتي منها رئيس الجمهورية) تحت سلطته المطلقة ولا يمثل وجودها أي استقلال عن حاكميته المستمدة من السلطة الدينية أي الإلهية المباشرة.
فمن البديهي أن الديمقراطية لا تمت بصلة إلى مفهوم الولاية كما تطرحه المنظومة الفكرية الإيرانية،والشيعية بشكل عام.فمن أسس الديمقراطية الحرية الفردية،الحق في اختيار الحاكم أياً كان شكله، التدرج الطبيعي من شعب ينتج نظم وقوانين وقيادات تمثله( لا العكس) ،المساواة المطلقة لكل الإتجاهات المعارض منها والمؤيد،وليس تحديد فئة واحدة قادرة على الحكم وهم الفقهاء دون غيرهم،وكذلك الاستقلال الواجب بين السلطات الممثلة للدولة،في حين أن السلطات كلها نابعة من الفردية المطلقة في إيران.
وبالتالي لابد أن نجد المؤيدين لولاية الفقيه المطلقة يعتبرون أن الديمقراطية غير ذات جدوى،بل أنها غير مفيدة لتطور المجتمع،فالناس لا يملكون سوى الطاعة المطلقة لأوليائهم الشرعيين والتبعية الكاملة لأوامرهم.وإلا تسبب ذلك في إنهيار وفساد المجتمع.
وفي النهاية نلاحظ أن هناك تعارضاً جلياً بين الأسس البديهية للديمقراطية وبين نظرية ولاية الفقيه وممارستها الاجتماعية في إيران،وحسب وجهة نظري أن هذا التعارض لافكاك منه في المجتمع الإيراني أو في أي مجتمع قرر إلغاء ذاتيته والسعي وراء عدالة الدولة الدينية فطالما إنتقل الدين إلى حيز الرؤى الشخصية والتطبيقات السياسية إلا وفقد طبيعته الأصيلة وتحول إلى فردية مطلقة تستمد سلطتها من نظرتها الخاصة والخاصة فقط عن الدين.
( جريدة صوت البلد)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق